مع أنه إذا جد الجد وحمي الوطيس سيرى : أن الكل يفكر بنفس الطريقة ، فإن كانوا عشرة آلاف ، فسيجد العشرة آلاف كلهم يفكرون بما يفكر به هذا وذاك ، أي أن كل واحد منهم يريد أن يجعل الآخر ترسا ومجنا لهم ، ليكون في قبال حراب العدو ، وسيوفه وسهامه ، التي سوف تأكل من لحمه ، وتهشم عظمه.
فإذا وصل به الخيال إلى هذا الحد ، فإنه سوف يسعى لإبعاد شبح الحرب عن مخيلته ، وسوف يتلذذ بالصور التي يخترعها لمبررات التخلص من عدوه.
ولعل ألذها وأغلاها على قلبه هي تلك الصور التي تزين له كيفية انصراف العدو عن الحرب ، ولسوف يندمج ويتفاعل مع هذه الصور ، حتى تصبح هي الحقيقة التي لا محيص منها عنده ، ولا بديل عنها لديه ..
ولذلك اعتقد اليهود : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» سوف لا يأتي لحربهم ، لأنهم توهموا : أنه «صلىاللهعليهوآله» يفكر كما يفكرون ، ويخشى من الكثرات كما يخشون ..
وكانت تلك الاستعراضات والانتفاخات الكاذبة تجسد لهم أحلامهم هذه ، وتزينها. حتى إذا استفاقوا من سباتهم هذا وجدوا أنفسهم أمام الحقيقة ، ولم يكن لهم بد من مواجهة مصيرهم المحتوم .. وهكذا كان ..
وهذا يصلح تفسيرا لما قد يعتبر تناقضا ظاهرا في مواقفهم ، فهم إذا كانوا قد أحسوا بخروج رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إليهم ، وطلبوا معونة غطفان ، ورتبوا حصونهم بحيث يحاربون في بعضها ، ويجعلون ذراريهم وأموالهم في البعض الآخر ..
فما معنى قولهم : محمد يغزونا؟! هيهات!! هيهات!!