أدعوك وجنودك :
وبعد ذكر أمور أخرى ـ أشرنا إلى بعض دلالاتها حين تكلمنا عن رسالته «صلىاللهعليهوآله» إلى كسرى ـ قال «صلىاللهعليهوآله» للنجاشي : «وإني أدعوك وجنودك إلى الله عزوجل ..».
والأمر الشائع بين الناس هو خضوع الجند لقادتهم ولملوكهم فيما يعرضونه عليهم ، حيث يكون كل همهم وسعيهم محصورا في تنفيذ أوامرهم ، والكون رهن إشارتهم في إقامة صرح العدل ، أو في إشاعة الذل والظلم والتعدي على حد سواء ..
ومن الواضح : أن الجنود هم الأداة التي يعتمد عليها الملوك في بسط سلطانهم ونفوذهم ، وبهم يوسعون دائرة حكمهم ، وهم الأدوات التي يستفيدون منها في قهر الناس ، وفي ظلمهم وابتزاز حقوقهم ..
ولكن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» .. قد وجه خطابه إلى هؤلاء بالاستقلال عن قائدهم النجاشي ، ليثير لديهم الإحساس بهذه الاستقلالية ، ولإفهامهم أن هناك أمورا لا يجوز لأحد أن يقررها لهم ، أو أن ينوب عنهم فيها. ومن ذلك معرفة الله سبحانه والخضوع له ، والاعتراف بالأنبياء المرسلين والطاعة لهم ، والعمل بأحكامه تعالى وشرائعه ، والالتزام بأوامره ونواهيه.
ويلاحظ : أنه «صلىاللهعليهوآله» لم يذكر ذلك في كتابه لكسرى وقيصر ، والمقوقس ؛ لأنه كان عارفا بأنهم سوف يستكبرون عن قبول دعوته ، فضلا عن أن يفسحوا المجال لدعوة أي كان من الناس إلى دين الحق ، فكيف إن كانوا من جندهم الذين يعتمدون عليهم في استمرار