الحباب ، فلم يزل يدنو قليلا قليلا ، وترجع اليهود على أدبارها حتى لحمها الشر ، فانكشفوا سراعا ، ودخلوا الحصن وغلّقوا عليهم ، ووافوا على جدره ـ وله جدر دون جدر ـ فجعلوا يرموننا بالجندل (١) رميا كثيرا ، ونحونا عن حصنهم بوقع الحجارة ، حتى رجعنا إلى موضع الحباب الأول.
ثم إن اليهود تلاومت بينها ، وقالت : ما نستبقي لأنفسنا؟ قد قتل أهل الجد والجلد في حصن ناعم.
فخرجوا مستميتين ، ورجعنا إليهم ، فاقتتلنا على باب الحصن أشد القتال ، وقتل يومئذ على الباب ثلاثة من أصحاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : أبو صياح ، وقد شهد بدرا ، ضربه رجل منهم بالسيف فأطن قحف رأسه. وعدي بن مرة بن سراقة ، طعنه أحدهم بالحربة بين ثدييه فمات ، والثالث الحارث بن حاطب وقد شهد بدرا ، رماه رجل من فوق الحصن فدمغه.
وقد قتلنا منهم على الحصن عدة ، كلما قتلنا منهم رجلا حملوه حتى يدخلوه الحصن.
ثم حمل صاحب رايتنا وحملنا معه ، وأدخلنا اليهود الحصن ، وتبعناهم في جوفه ، فلما دخلنا عليهم الحصن فكأنهم غنم ، فقتلنا من أشرف لنا ، وأسرنا منهم ، وهربوا في كل وجه ، يركبون الحرة ، يريدون حصن قلعة الزبير ، وجعلنا ندعهم يهربون.
وصعد المسلمون على جدره ، فكبروا عليه تكبيرا كثيرا ، ففتتنا أعضاد
__________________
(١) الجندل : الحجارة. لسان العرب ج ١٣ ص ١٣٦.