ما تقول السادة العلماء شدّ الله تعالى بها أزر الدين ، ولمّ بهم شعث المسلمين ، في الشيخ محيي الدين بن عربي في كتبه المنسوبة إليه كالفتوحات والفصوص ، هل تحل قراءتها وإقراؤها ومطالعتها؟ وهل هي الكتب المسموعة المقروءة أم لا؟ أفتونا مأجورين جوابا شافيا لتحوزوا جميل الثواب ، من الله الكريم الوهاب ، والحمد لله وحده.
فأجابه بما صورته (١) : الحمد لله ، اللهم أنطقنا بما فيه رضاك ، الذي أعتقده في حال المسؤول عنه وأدين الله تعالى به ، أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما ، وإمام الحقيقة حقيقة ورسما ، ومحيي رسوم المعارف فعلا واسما : [البسيط]
إذا تغلغل فكر المرء في طرف |
|
من بحره غرقت فيه خواطره |
وهو عباب لا تكدره الدّلاء ، وسحاب لا تتقاصر عنه الأنواء ، وكانت دعواته تخترق السبع الطّباق ، وتفترق بركاته فتملأ الآفاق ، وإني أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته ، وناطق بما كتبته ، وغالب ظني أني ما أنصفته [البسيط].
وما عليّ إذا ما قلت معتقدي |
|
دع الجهول يظنّ العدل عدوانا |
والله والله والله العظيم ومن |
|
أقامه حجّة للدّين برهانا |
بأنّ ما قلت بعض من مناقبه |
|
ما زدت إلّا لعلّي زدت نقصانا |
وأما كتبه ومصنفاته فالبحار الزواخر ، التي لجواهرها وكثرتها لا يعرف لها أول ولا آخر ، ما وضع الواضعون مثلها ، وإنما خص الله سبحانه بمعرفة قدرها أهلها ، ومن خواص كتبه أن من واظب على مطالعتها والنظر فيها ، وتأمل ما في مبانيها ، انشرح صدره لحل المشكلات ، وفك المعضلات ، وهذا الشأن لا يكون إلا لأنفاس من خصه الله تعالى بالعلوم اللدنية الربانية ، ووقفت على إجازة كتبها للملك المعظم فقال في آخرها : وأجزته أيضا أن يروي عنه مصنفاتي ، ومن جملتها كذا وكذا ، حتى عد نيفا وأربعمائة مصنف ، منها التفسير الكبير الذي بلغ فيه إلى تفسير سورة الكهف عند قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥] وتوفي ولم يكمل ، وهذا التفسير كتاب عظيم ، كل سفر بحر لا ساحل له ، ولا غرو فإنه صاحب الولاية العظمى ، والصديقية الكبرى ، فيما نعتقد وندين الله تعالى به ، وثم طائفة ، في الغي حائفة (٢) ، يعظمون عليه النكير ، وربما بلغ بهم الجهل إلى حد التكفير ، وما ذاك إلا لقصور أفهامهم عن إدراك مقاصد أقواله وأفعاله ومعانيها ، ولم تصل أيديهم لقصرها إلى اقتطاف مجانيها (٣). [البسيط]
__________________
(١) في ب ، ه : فأجابه ما صورته.
(٢) الحائفة : المائلة عن القصد ، الجائرة في الحكم.
(٣) مجانيها : أراد هنا : ثمارها.