سهام الناقدين (١) قصر أكثرهم عن مداه في الإدراك ، والخوض في تلك البحار والاطلاع ، وساءت منهم في الممازجة له السيرة ، فانصرفوا عنه مكلومين (٢) ، يبذرون عنه في الآفاق من سوء القالة ما لا شيء فوقه ، وجرت بينه وبين أعلام المشرق خطوب ثم نزل مكة (٣) ، وعاقه الخوف من أمير المدينة النبوية (٤) عن الدخول إليها إلى أن توفي فعظم بذلك الحمل عليه ، وقبحت الأحدوثة عنه ، ولما وردت على سبتة المسائل الصقلية ـ وكانت جملة من المسائل الحكمية وجهها علماء الروم تبكيتا للمسلمين ـ انتدب للجواب المقنع عنها ، على فتاء من سنه (٥) ، وبديهة من فكرته ، رحمه الله تعالى! انتهى.
وقال بعض من عرف به : إنه من أهل مرسية ، وله علم وحكمة ومعرفة ونباهة وبراعة وفصاحة وبلاغة.
وقال في «عنوان الدراية» (٦) : رحل إلى العدوة ، وسكن ببجاية مدة ، ولقي من أصحابنا ناسا ، وأخذوا عنه ، وانتفعوا به في فنون خاصة ، له مشاركة في معقول العلوم ومنقولها ، وله فصاحة لسان ، وطلاقة قلم ، وفهم جنان (٧) ، وهو أحد العلماء (٨) الفضلاء ، وله أتباع كثيرة من الفقراء ومن عامة الناس ، وله موضوعات كثيرة هي موجودة بأيدي أصحابه ، وله فيها ألغاز وإشارات بحروف أبجد ، وله تسميات مخصوصة في كتبه هي نوع من الرموز ، وله تسميات ظاهرة هي كالأسامي المعهودة ، وله شعر في التحقيق ، وفي مراقي أهل الطريق ، وكتابته مستحسنة في طريق الأدباء ، وله من الفضل والمزية ملازمته لبيت الله الحرام ، والتزامه الاعتمار على الدوام ، وحجه مع الحجاج في كل عام ، وهذه مزية لا يعرف قدرها ولا يرام ، ولقد مشى به للمغاربة في الحرم الشريف حظ لم يكن لهم في غير مدّته ، وكان أهل مكة يعتمدون على أقواله ، ويهتدون بأفعاله.
توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس تاسع شوّال سنة ٦٦٩ ، انتهى ببعض اختصار.
وذكر رحمه الله تعالى في ترجمة تلميذه الشيخ أبي الحسن الششتري السابق الذكر أن
__________________
(١) في الإحاطة : «ولما توفرت دواعي النقد عليه».
(٢) في ه ، وفي الإحاطة : مكظومين.
(٣) ثم نزل مكة : زيادة من الإحاطة.
(٤) النبوية : زيادة من الإحاطة.
(٥) الفتاء في السن : الحداثة في السن.
(٦) في عنوان الدراية ص ١٣٩ ـ ١٤٠ وهو أيضا في الإحاطة ص ٢١٨.
(٧) الجنان : القلب ، الروح.
(٨) العلماء : ساقطة من ب.