الدالة على الطريق الموصل إلى المقصود. ومجازه : بيان وسائل الحصول على المنافع الحقة.
والرحمة تقدمت في تفسير البسملة.
وقد أومأ وصف القرآن بالشفاء إلى تمثيل حال النفوس بالنسبة إلى القرآن ، وإلى ما جاء به بحال المعتل السقيم الذي تغير نظام مزاجه عن حالة الاستقامة فأصبح مضطرب الأحوال خائر القوى فهو يترقب الطبيب الذي يدبر له بالشفاء ، ولا بد للطبيب من موعظة للمريض يحذره بها مما هو سبب نشء علته ودوامها ، ثم ينعت له الدواء الذي به شفاؤه من العلة ، ثم يصف له النظام الذي ينبغي له سلوكه لتدوم له الصحة والسلامة ولا ينتكس له المرض ، فإن هو انتصح بنصائح الطبيب أصبح معافى سليما وحيي حياة طيبة لا يعتوره ألم ولا يشتكي وصبا ، وقد كان هذا التمثيل لكماله قابلا لتفريق تشبيه أجزاء الهيئة المشبّهة بأجزاء الهيئة المشبّه بها ، فزواجر القرآن ومواعظه يشبّه بنصح الطبيب على وجه المكنية ، وإبطاله العقائد الضالة يشبه بنعت الدواء للشفاء من المضار على وجه التصريحية ، وتعاليمه الدينية وآدابه تشبّه بقواعد حفظ الصحة على وجه المكنية ، وعبر عنها بالهدى ، ورحمته للعالمين تشبه بالعيش في سلامة على وجه المكنية.
ومعلوم أن ألفاظ المكنية يصح أن تكون مستعملة في حقائق معانيها كما هنا ، ويصح أن تجعل تخييلا كأظفار المنية. ثم إن ذلك يتضمن تشبيه شأن باعث القرآن بالطبيب العليم بالأدواء وأدويتها ، ويقوم من ذلك تشبيه هيئة تلقي الناس للقرآن وانتفاعهم به ومعالجة الرسول صلىاللهعليهوسلم إياهم بتكرير النصح والإرشاد بهيئة المرضى بين يدي الطبيب وهو يصف لهم ما فيه برؤهم وصلاح أمزجتهم فمنهم القابل المنتفع ومنهم المتعاصي الممتنع.
فالأوصاف الثلاثة الأول ؛ ثابتة للقرآن في ذاته سواء في ذلك من قبلها وعمل بها ، ومن أعرض عنها ونبذها ، إلا أن وصفه بكونه هدى لمّا كان وصفا بالمصدر المقتضي للمبالغة بحيث كأنه نفس الهدى كان الأنسب أن يراد به حصول الهدى به بالفعل فيكون في قران الوصف الرابع. والوصف الرابع وهو الرحمة ، خاص بمن عمل بمقتضى الأوصاف الثلاثة الأول ، فانتفع بها فكان القرآن رحمة له في الدنيا والآخرة. وهو ينظر إلى قوله تعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء : ٨٢].
فقيد (لِلْمُؤْمِنِينَ) متعلق ب (رَحْمَةٌ) بلا شبهة وقد خصه به جمهور المفسرين. ومن