كان الخطاب هنا عاما لجميع الناس ولم يأت فيه ما يقتضي توجيهه لخصوص المشركين من ضمائر تعود إليهم أو أوصاف لهم أو صلات موصول. وعلى هذا الوجه فليس في الخطاب ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) التفات من الغيبة إلى الخطاب ، والمعنى أن القرآن موعظة لجميع الناس وإنما انتفع بموعظته المؤمنون فاهتدوا وكان لهم رحمة.
ويجوز أن يكون خطابا للمشركين بناء على الأكثر في خطاب القرآن ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فيكون ذكر الثناء على القرآن بأنه هدى ورحمة للمؤمنين إدماجا وتسجيلا على المشركين بأنهم حرموا أنفسهم الانتفاع بموعظة القرآن وشفائه لما في الصدور ، فانتفع المؤمنون بذلك.
وافتتاح الكلام ب (قَدْ) لتأكيده ، لأن في المخاطبين كثيرا ممن ينكر هذه الأوصاف للقرآن.
والمجيء : مستعمل مجازا في الإعلام بالشيء ، كما استعمل للبلوغ أيضا ، إلا أن البلوغ أشهر في هذا وأكثر ، يقال : بلغني خبر كذا ، ويقال أيضا : جاءني خبر كذا أو أتاني خبر كذا. وإطلاق المجيء عليه في هذه الآية أعز.
والمراد بما جاءهم وبلغهم هو ما أنزل من القرآن وقرئ عليهم ، وقد عبر عنه بأربع صفات هي أصول كماله وخصائصه وهي : أنه موعظة ، وأنه شفاء لما في الصدور ، وأنه هدى ، وأنه رحمة للمؤمنين.
والموعظة : الوعظ ، وهو كلام فيه نصح وتحذير مما يضر. وقد مضى الكلام عليها عند قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) في سورة النساء [٦٣] ، وعند قوله تعالى : مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) في سورة الأعراف [١٤٥]. ووصفها ب (مِنْ رَبِّكُمْ) للتنبيه على أنها بالغة غاية كمال أمثالها.
والشفاء تقدم عند قوله تعالى : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) في سورة براءة [١٤]. وحقيقته : زوال المرض والألم ، ومجازه : زوال النقائص والضلالات وما فيه حرج على النفس ، وهذا هو المراد هنا.
والمراد بالصدور النفوس كما هو شائع في الاستعمال.
والهدى تقدم في قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) في طالع سورة البقرة [٢] ، وأصله :