عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الشعراء : ١٣٥].
وقد اقتضى نظم الكلام نفي جنس الخوف لأن (لا) إذا دخلت على النكرة دلت على نفي الجنس ، وأنها إذا بني الاسم بعدها على الفتح كان نفي الجنس نصا وإذا لم يبن الاسم على الفتح كان نفي الجنس ظاهرا مع احتمال أن يراد نفي واحد من ذلك الجنس إذا كان المقام صالحا لهذا الاحتمال ، وذلك في الأجناس التي لها أفراد من الذوات مثل رجل ، فأما أجناس المعاني فلا يتطرق إليها ذلك الاحتمال فيستوي فيها رفع اسم (لا) وبناؤه على الفتح ، كما في قول إحدى نساء حديث أم زرع «زوجي كليل تهامة لا حرّ ولا قرّ ولا مخافة ولا سآمة» فقد رويت هذه الأسماء بالرفع وبالبناء على الفتح.
فمعنى (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أنهم بحيث لا يخاف عليهم خائف ، أي هم بمأمن من أن يصيبهم مكروه يخاف من إصابة مثله ، فهم وإن كانوا قد يهجس في نفوسهم الخوف من الأعداء هجسا من جبلة تأثر النفوس عند مشاهدة بوادر المخافة ، فغيرهم ممن يعلم حالهم لا يخاف عليهم لأنه ينظر إلى الأحوال بنظر اليقين سليما من التأثر بالمظاهر ، فحالهم حال من لا ينبغي أن يخاف ، ولذلك لا يخاف عليهم أولياؤهم لأنهم يأمنون عليهم من عاقبة ما يتوجّسون منه خيفة ، فالخوف الذي هو مصدر في الآية يقدر مضافا إلى فاعله وهو غيرهم لا محالة ، أي لا خوف يخافه خائف عليهم ، وهم أنفسهم إذا اعتراهم الخوف لا يلبث أن ينقشع عنهم وتحل السكينة محله ، كما قال تعالى : (وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ٢٥ ، ٢٦] ، وقال لموسى : (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) [طه : ٧٧] ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ). وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر يدعو الله بالنصر ويكثر من الدعاء ويقول : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد في الأرض». ثم خرج وهو يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر : ٤٥].
ولهذا المعنى الذي أشارت إليه الآية تغير الأسلوب في قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فأسند فيه الحزن المنفي إلى ضمير (أَوْلِياءَ اللهِ) مع الابتداء به ، وإيراد الفعل بعده مسندا مفيدا تقوي الحكم ، لأن الحزن هو انكسار النفس من أثر حصول المكروه عندها فهو لا توجد حقيقته إلا بعد حصوله ، والخوف يكون قبل حصوله ، ثم هم وإن كانوا يحزنون لما يصيبهم من أمور في الدنيا كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «وإنّا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون» فذلك حزن وجداني لا يستقر بل يزول بالصبر ، ولكنهم لا يلحقهم الحزن الدائم وهو حزن