وجملة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) في موضع الحال من اسم الجلالة ، أو خبر ثان عن رَبَّكُمُ).
والتدبير : النظر في عواقب المقدرات وعوائقها لقصد إيقاعها تامة فيما تقصد له محمودة العاقبة.
والغاية من التدبير الإيجاد والعمل على وفق ما دبر. وتدبير الله الأمور عبارة عن تمام العلم بما يخلقها عليه ، لأن لفظ التدبير هو أوفى الألفاظ اللغوية بتقريب إتقان الخلق.
والأمر : جنس يعم جميع الشئون والأحوال في العالم. وتقدم في قوله : (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) في سورة براءة [٤٨].
وفي إجراء هذه الصفات على الله تعالى تعريض بالرد على المشركين إذ جعلوا لأنفسهم آلهة لا تخلق ولا تعلم ؛ كما قال تعالى : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [النخل : ٢٠]. ولذلك حسن وقع جملة (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) عقب جملة : (الَّذِي خَلَقَ) بتمامها ، لأن المشركين جعلوا آلهتهم شفعاء فإذا أنذروا بغضب الله يقولون : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، أي حماتنا من غضبه. فبعد أن وصف الإله الحق بما هو منتف عن آلهتهم نفي عن آلهتهم وصف الشفاعة عند الله وحماية المغضوب عليهم منه.
وأكد النفي ب (مِنْ) التي تقع بعد حرف النفي لتأكيد النفي وانتفاء الوصف عن جميع أفراد الجنس الذي دخلت (من) على اسمه بحيث لم تبق لآلهتهم خصوصية.
وزيادة (إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) احتراس لإثبات شفاعة محمد صلىاللهعليهوسلم بإذن الله ، قال تعالى: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨]. والمقصود من ذلك نفي الشفاعة لآلهتهم من حيث إنهم شركاء لله في الإلهية ، فشفاعتهم عنده نافذة كشفاعة الند عند نده. والشفاعة تقدست عند قوله تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) في سورة البقرة [٤٨]. وكذلك الشفيع تقدم عند قوله : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ) في سورة الأعراف [٥٣].
وموقع جملة : (ما مِنْ شَفِيعٍ) مثل موقع جملة : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ).
وجملة : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) ابتدائية فذلكة للجمل التي قبلها ونتيجة لها ، وهي معترضة بين تلك الجمل وبين الجملة المفرعة عليها ، وهي جملة : (فَاعْبُدُوهُ) ، وتأكيد لمضمون الجملة الأصلية وهي جملة : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ).