فاقتران الخبر بحرف (إنّ) في قوله : (إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ) إلخ مقصود به الاهتمام بهذا المعنى الذي استعمل فيه الخبر إذ ليس المقام مقام دفع تردد أو دفع إنكار.
وقد تردد المفسرون في محل اللام في قوله : (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ). والذي سلكه أهل التدقيق منهم أن اللام لام العاقبة. ونقل ذلك عن نحاة البصرة : الخليل وسيبويه ، والأخفش ، وأصحابهما ، على نحو اللام في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] فاللام الموضوعة للتعليل مستعارة لمعنى الترتب والتعقيب الموضوع له فاء التعقيب على طريقة الاستعارة التبعية في متعلق معنى الحرف فشبه ترتب الشيء على شيء آخر ليس علة فيه بترتب المعلول على العلة للمبالغة في قوة الترتب حتى صار كأنه مقصود لمن ظهر عنده أثره ، فالمعنى : إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا فضلوا بذلك وأضلوا.
وللمفسرين وجوه خمسة أخرى :
أحدها : أن يكون للتعليل ، وأن المعنى : إنك فعلت ذلك استدراجا لهم ، ونسب إلى الفراء ، وفسر به الطبري.
الثاني : أن الكلام على حذف حرف ، والتقدير : لئلا يضلوا عن سبيلك أي فضلّوا.
حكاه الفخر.
الثالث : أن اللام لام الدعاء. روي هذا عن الحسن. واقتصر عليه في «الكشاف». وقاله ابن الأنباري. وهو أبعد الوجوه وأثقلها.
الرابع : أن يكون على حذف همزة الاستفهام. والتقدير : أليضلوا عن سبيلك آتيناهم زينة وأموالا تقريرا للشنعة عليهم ، قاله ابن عطية. ويكون الاستفهام مستعملا في التعجب ، قاله الفخر.
الخامس : تأويل معنى الضلال بأنه الهلاك ، قاله الفخر. وهي وجوه ضعيفة متفاوتة الضعف فلا نطيل بتقريرها.
والزينة : ما يتزين به الناس ، وما يحسن في أنظارهم من طرائف الدنيا ، كالحلي والجواهر والمباني الضخمة. قال تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ)[آل عمران : ١٤] وقال : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الكهف : ٤٦] وقال : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٦].