وهي جملة : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ) المفرعة على الجملة الأولى ، وهي المقصود من التسلية.
والناس : العرب ، أو أهل مكة منهم ، وذلك إيماء إلى أنهم المقصود من سوق القصص الماضية كما بيّنّاه عند قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ) [يونس : ٧١].
والتأكيد ب (كُلُّهُمْ) للتنصيص على العموم المستفاد من (من) الموصولة فإنها للعموم ، والتأكيد ب (جَمِيعاً) لزيادة رفع احتمال العموم العرفي دون الحقيقي.
والمعنى : لو شاء الله لجعل مدارك الناس متساوية منساقة إلى الخير ، فكانوا سواء في قبول الهدى والنظر الصحيح.
و (لو) تقتضي انتفاء جوابها لانتفاء شرطها. فالمعنى : لكنه لم يشأ ذلك ، فاقتضت حكمته أن خلق عقول الناس متأثرة ومنفعلة بمؤثرات التفاوت في إدراك الحقائق فلم يتواطئوا على الإيمان ، وما كان لنفس أن تؤمن إلا إذا استكملت خلقة عقلها ما يهيئها للنظر الصحيح وحسن الوعي لدعوة الخير ومغالبة الهدى في الاعتراف بالحق.
وجملة : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) إلخ مفرّعة على التي قبلها ، لأنّه لما تقرر أن الله لم تتعلق مشيئته باتفاق الناس على الإيمان بالله تفرع على ذلك إنكار ما هو كالمحاولة لتحصيل إيمانهم جميعا.
والاستفهام في (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) إنكاري ، فنزّل النبي صلىاللهعليهوسلم لحرصه على إيمان أهل مكة وحثيث سعيه لذلك بكل وسيلة صالحة منزلة من يحاول إكراههم على الإيمان حتى ترتب على ذلك التنزيل إنكاره عليه.
ولأجل كون هذا الحرص الشديد هو محل التنزيل ومصب الإنكار وقع تقديم المسند إليه على المسند الفعلي ، فقيل : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) دون أن يقال : أفتكره الناس ، أو أفأنت مكره الناس ، لأن تقديم المسند إليه على مثل هذا المسند يفيد تقوي الحكم فيفيد تقوية صدور الإكراه من النبي صلىاللهعليهوسلم لتكون تلك التقوية محل الإنكار. وهذا تعريض بالثناء على النبي ومعذرة له على عدم استجابتهم إياه ، ومن بلغ المجهود حق له العذر.
وليس تقديم المسند إليه هنا مفيدا للتخصيص ، أي القصر ، لأن المقام غير صالح لاعتبار القصر ، إذ مجرد تنزيل النبي صلىاللهعليهوسلم منزلة من يستطيع إكراه الناس على الإيمان كاف في الإشارة إلى تشبيه حرصه على إيمانهم بحرص من يستطيع إكراههم عليه. فما وقع في «الكشاف» من الإشارة إلى معنى الاختصاص غير وجيه ، لأن قرينة التقوي واضحة كما