وهي مراتب نور القمر في القوة والضعف التابعة لما يظهر للناس نيرا من كرة القمر ، كما في قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس : ٣٩]. أي حتى نقص نوره ليلة بعد ليلة فعاد كالعرجون البالي. ويكون (مَنازِلَ) في موضع الحال من الضمير المنصوب في (قَدَّرَهُ) فهو ظرف مستقر ، أي تقديرا على حسب المنازل ، فالنور في كل منزلة له قدر غير قدره الذي في منزلة أخرى. وإما عائد إلى (القمر) على تقدير مضاف ، أي وقدر سيره ، فتكون (مَنازِلَ) منصوبا على الظرفية.
والمنازل : جمع منزل ؛ وهو مكان النزول. والمراد بها هنا المواقع التي يظهر القمر في جهتها كل ليلة من الشهر. وهي ثمان وعشرون منزلة على عدد ليالي الشهر القمري. وإطلاق اسم المنازل عليها مجاز بالمشابهة وإنما هي سموت يلوح للناس القمر كل ليلة في سمت منها ، كأنه ينزل بها. وقد رصدها البشر فوجدوها لا تختلف.
وعلم المهتدون منهم أنها ما وجدت على ذلك النظام إلا بصنع الخالق الحكيم.
وهذه المنازل أماراتها أنجم مجتمعة على شكل لا يختلف ، فوضع العلماء السابقون لها أسماء. وهذه أسماؤها في العربية على ترتيبها في الطلوع عند الفجر في فصول السنة. والعرب يبتدئون ذكرها بالشرطان وهكذا ، وذلك باعتبار حلول القمر كل ليلة في سمت منزلة من هذه المنازل ، فأول ليلة من ليالي الهلال للشّرطان وهكذا. وهذه أسماؤها مرتبة على حسب تقسيمها على فصول السنة الشمسية. وهي : العوّاء ، السّماك الأعزل ، الغفر ، الزّباني ، الإكليل ، القلب ، الشّولة ، النعائم ، البلدة ، سعد الذّابح ، سعد بلع ، سعد السّعود ، سعد الأخبية ، الفرغ الأعلى ، الفرغ الأسفل ، الحوت ، الشرطان ، البطين ، الثّريا ، الدّبران ، الهقعة ، الهنعة ، ذراع الأسد ، النّشرة ، الطّرف ، الجبهة ، الزّبرة ، الصّرفة.
وهذه المنازل منقسمة على البروج الاثني عشر التي تحل فيها الشمس في فصول السنة ، فلكل برج من الاثني عشر برجا منزلتان وثلث ، وهذا ضابط لمعرفة نجومها ولا علاقة له باعتبارها منازل للقمر.
وقد أنبأنا الله بعلة تقديره القمر منازل بأنها معرفة الناس عدد السنين والحساب ، أي عدد السنين بحصول كل سنة باجتماع اثني عشر.
والحساب : مصدر حسب بمعنى عد. وهو معطوف على (عَدَدَ) ، أي ولتعلموا الحساب. وتعريفه للعهد ، أي والحساب المعروف. والمراد به حساب الأيام والأشهر لأن