ويستغشي ثوبه ويحني ظهره ويقول : هل يعلم الله ما في قلبي؟ وذلك من جهلهم بعظمة الله.
ففي «البخاري» عن ابن مسعود : اجتمع عند البيت قريشيان وثقفي ، كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) [فصلت : ٢٢ ، ٢٣].
وجميع أخطاء أهل الضلالة في الجاهلية والأديان الماضية تسري إلى عقولهم من النظر السقيم ، والأقيسة الفاسدة ، وتقدير الحقائق العالية بمقادير متعارفهم وعوائدهم ، وقياس الغائب على الشاهد. وقد ضل كثير من فرق المسلمين في هذه المسالك لو لا أنهم ينتهون إلى معلومات ضرورية من الدين تعصمهم عند الغاية عن الخروج عن دائرة الإسلام وقد جاء بعضهم وأوشك أن يقع.
وعلى الاحتمال الثاني : فهو تمثيل لحالة إضمارهم العداوة للنبي صلىاللهعليهوسلم في نفوسهم وتمويه ذلك عليه وعلى المؤمنين به بحال من يثني صدره ليخفيه ومن يستغشي ثوبه على ما يريد أن يستره به. وهذا الاحتمال لا يناسب كون الآية مكية إذ لم يكن المشركون يومئذ بمصانعين للنبي صلىاللهعليهوسلم. وتأويلها بإرادة أهل النفاق يقتضي أن تكون الآية مدنية. وهذا نقله أحد من المفسرين الأولين. وفي «أسباب النزول» للواحدي أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة وكان رجلا حلو المنطق ، وكان يظهر المودة للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو منطو على عداوته ، أي عداوة الدين ، فضرب الله ثني الصدور مثلا لإضماره بغض النبيصلىاللهعليهوسلم. فهو تمثيل وليس بحقيقة. وصيغة الجمع على هذا مستعملة في إرادة واحدة لقصد إبهامه على نحو قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) [آل عمران : ١٧٣] قيل فإنه هو الأخنس بن شريق.
ووقع في «صحيح البخاري» أن ابن عباس سئل عن هذه الآية فقال : كان ناس من المسلمين يستخفون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزلت هذه الآية. وهذا التفسير لا يناسب موقع الآية ولا اتساق الضمائر. فلعل مراد ابن عباس أن الآية تنطبق على صنيع هؤلاء وليس فعلهم هو سبب نزولها. واعلم أن شأن