هذه الجملة تتميم للّتي قبلها لأنها حكت حالة ضدّ الحالة في الّتي قبلها ، وهي جملة قسم وشرط وجواب قسم كما تقدم في نظائرها.
وضمير (أَذَقْناهُ) المنصوب عائد إلى الإنسان فتعريفه كتعريف معاده للاستغراق بالمعنى المتقدم.
والنعماء ـ بفتح النون وبالمد ـ النعمة واختير هذا اللفظ هنا وإن كان لفظ النعمة أشهر لمحسن رعي النظير في زنة اللّفظين النعماء والضراء. والمراد هنا النعمة الحاصلة بعد الضراء.
والمس مستعمل في مطلق الإصابة على وجه المجاز. واختيار فعل الإذاقة لما تقدم ، واختيار فعل المس بالنسبة إلى إدراك الضّراء إيماء إلى أنّ إصابة الضّراء أخفّ من إصابة النّعماء ، وأن لطف الله شامل لعباده في كلّ حال.
وأكّدت الجملة باللّام الموطئة للقسم وبنون التّوكيد في جملة جواب القسم لمثل الغرض الذي بيّنّاه في الجملة السابقة.
وجعل جواب القسم القول للإشارة إلى أنّه تبجح وتفاخر ، فالخبر في قوله : (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) مستعمل في الازدهاء والإعجاب ، وذلك هو مقتضى زيادة (عَنِّي) متعلقا ب (ذَهَبَ) للإشارة إلى اعتقاد كل واحد أنّه حقيق بأن تذهب عنه السيّئات غرورا منه بنفسه ، كما في قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصلت : ٥٠].
وجملة (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) استئناف ابتدائي للتعجيب من حاله ، و (فرح وفخور) مثالا مبالغة ، أي لشديد الفرح شديد الفخر. وشدة الفرح : تجاوزه الحد وهو البطر والأشر ، كما في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦].
والفخر : تباهي المرء على غيره بما له من الأشياء المحبوبة للنّاس.
والمعنى أنّه لا يشكر الله على النعمة بعد البأساء وما كان فيه من الضرّاء فلا يتفكر في وجود خالق الأسباب وناقل الأحوال ، والمخالف بين أسبابها. وفي معنى الآيتين قوله في سورة الشورى [٤٨] (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ).