فعل القول إذا وقع في سياق المحاورة ، لأن جملة (سَخِرُوا) تتضمن أقوالا تنبني عن سخريتهم أو تبين عن كلام في نفوسهم.
وجمع الضمير في قوله : (مِنَّا) يشير إلى أنهم يسخرون منه في عمل السفينة ومن الذين آمنوا به إذ كانوا حوله واثقين بأنه يعمل عملا عظيما ، وكذلك جمعه في قوله : (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ).
والسخرية : الاستهزاء ، وهو تعجب باحتقار واستحماق. وتقدم عند قوله تعالى : فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) في أول سورة الأنعام [١٠] ، وفعلها يتعدى ب (من).
وسخريتهم منه حمل فعله على العبث بناء على اعتقادهم أن ما يصنعه لا يأتي بتصديق مدعاه.
وسخرية نوح ـ عليهالسلام ـ والمؤمنين ، من الكافرين من سفه عقولهم وجهلهم بالله وصفاته. فالسخريتان مقترنتان في الزمن.
وبذلك يتضح وجه التشبيه في قوله : (كَما تَسْخَرُونَ) فهو تشبيه في السبب الباعث على السخرية ، وإن كان بين السببين بون.
ويجوز أن تجعل كاف التشبيه مفيدة معنى التعليل كالتي في قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨] فيفيد التفاوت بين السخريتين ، لأن السخرية المعللة أحق من الأخرى ، فالكفار سخروا من نوح ـ عليهالسلام ـ لعمل يجهلون غايته ، ونوح ـ عليهالسلام ـ وأتباعه سخروا من الكفار لعلمهم بأنهم جاهلون في غرور ، كما دل عليه قوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) فهو تفريع على جملة (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) أي سيظهر من هو الأحق بأن يسخر منه.
وفي إسناد (العلم) إلى ضمير المخاطبين دون الضمير المشارك بأن يقال : فسوف نعلم ، إيماء إلى أن المخاطبين هم الأحق بعلم ذلك. وهذا يفيد أدبا شريفا بأن الواثق بأنه على الحق لا يزعزع ثقته مقابلة السفهاء أعماله النافعة بالسخرية ، وأن عليه وعلى أتباعه أن يسخروا من الساخرين.
والخزي : الإهانة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) في آخر سورة آل عمران [١٩٢].