وجملة (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) بيان لجملة (نادى) وهي إرشاد له ورفق به.
وأما جملة (وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) فهي معطوفة على جملة (ارْكَبْ مَعَنا) لإعلامه بأنّ إعراضه عن الركوب يجعله في صف الكفار إذ لا يكون إعراضه عن الركوب إلّا أثرا لتكذيبه بوقوع الطوفان. فقول نوح ـ عليهالسلام ـ له (ارْكَبْ مَعَنا) كناية عن دعوته إلى الإيمان بطريقة العرض والتحذير. وقد زاد ابنه دلالة على عدم تصديقه بالطوفان قوله متهكما (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ).
و (بنيّ) تصغير (ابن) مضافا إلى ياء المتكلم. وتصغيره هنا تصغير شفقة بحيث يجعل كالصغير في كونه محل الرحمة والشفقة. فأصله بنيو ، لأنّ أصل ابن بنو ، فلما حذفوا منه الواو لثقلها في آخر كلمة ثلاثية نقص عن ثلاثة أحرف فعوّضوه همزة وصل في أوله ، ومهما عادت له الواو المحذوفة لزوال داعي الحذف طرحت همزة الوصل ، ثم لمّا أريد إضافة المصغّر إلى ياء المتكلم لزم كسر الواو ليصير بنيوي ، فلما وقعت الواو بين عدوتيها الياءين قلبت ياء وأدغمت في ياء التصغير فصار بنيّي بياءين في آخره أولاهما مشدّدة ، ولما كان المنادى المضاف إلى ياء المتكلم يجوز حذف ياء المتكلم منه وإبقاء الكسرة صار (بُنَيَ) ـ بكسر الياء مشدّدة ـ في قراءة الجمهور. وقرأه عاصم (بُنَيَ) بفتح ياء المتكلم المضاف إليها لأنها يجوز فتحها في النداء ، أصله يا بنيّي بياءين أولاهما مكسورة مشدّدة وهي ياء التصغير مع لام الكلمة التي أصلها الواو ثم اتصلت بها ياء المتكلم وحذفت الياء الأصلية.
وفصلت جملة (قالَ سَآوِي) وجملة (قالَ لا عاصِمَ) لوقوعهما في سياق المحاورة.
وقوله : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ) قد كان قبل أن يبلغ الماء أعالي الجبال. و (آوي) : أنزل ، ومصدره : الأويّ ـ بضم الهمزة وكسر الواو وتشديد الياء ـ.
وجملة (يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) إمّا صفة ل (جبل) أي جبل عال ، وإمّا استيناف بياني ، لأنّه استشعر أن نوحا ـ عليهالسلام ـ يسأل لما ذا يأوي إلى جبل إذ ابنه قد سمعه حين ينذر الناس بطوفان عظيم فظن الابن أن أرفع الجبال لا يبلغه الماء ، وأنّ أباه ما أراد إلا بلوغ الماء إلى غالب المرتفعات دون الجبال الشامخات.
ولذلك أجابه نوح ـ عليهالسلام ـ بأنّه (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ، أي مأموره