على طريقة قوله : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) ويجوز أن يقوله المؤمنون تحقيرا للكفّار وتشفّيا منهم واستراحة ، فبني فعل (وَقِيلَ) إلى المجهول لعدم الحاجة إلى معرفة قائله.
قال في «الكشاف» بعد أن ذكر نكتا ممّا أتينا على أكثره «ولما ذكرنا من المعاني والنكت استفصح علماء البيان هذه الآية ورقصوا لها رءوسهم لا لتجانس الكلمتين ابْلَعِي) و (أَقْلِعِي) وإن كان لا يخلي الكلام من حسن فهو كغير الملتفت إليه بإزاء تلك المحاسن التي هي اللّب وما عداها قشور» اه.
وقد تصدّى السكاكي في «المفتاح» في بحث البلاغة والفصاحة لبيان بعض خصائص البلاغة في هذه الآية ، تقفية على كلام «الكشاف» فيما نرى فقال :
«والنّظر في هذه الآية من أربع جهات ، من جهة علم البيان ، ومن جهة علم المعاني ... (١) ومن جهة الفصاحة المعنوية ومن جهة الفصاحة اللفظية. أما النظر فيها من جهة علم البيان ... فنقول : إنه عزوجل لما أراد أن يبين معنى أردنا أن نردّ ما انفجر من الأرض إلى بطنها ... وأن نقطع طوفان السماء ... وأن نغيض الماء .. وأن نقضي أمر نوح ـ عليهالسلام ـ وهو إنجاز ما كنّا وعدنا من إغراق قومه .. وأن نسوي السّفينة على الجوديّ .. وأبقينا الظّلمة غرقى بني الكلام على تشبيه المراد بالمأمور ... وتشبيه تكوين المراد بالأمر .. وأن السماوات والأرض ... تابعة لإرادته ... كأنها عقلاء مميّزون ... ثم بنى على تشبيهه هذا نظم الكلام فقال جلّ وعلا : (قِيلَ) على سبيل المجاز عن الإرادة الواقع بسببها قول القائل ، وجعل قرينة المجاز الخطاب للجماد ... فقال : (يا أَرْضُ) ـ (وَيا سَماءُ) ... ثم استعار لغور الماء في الأرض البلغ .. للشبه بينهما وهو الذهاب إلى مقر خفي ، ثم استعار الماء للغذاء استعارة بالكناية تشبيها له بالغذاء لتقوي الأرض بالماء في الإنبات ... تقوي الآكل بالطعام ، وجعل قرينة الاستعارة لفظة (ابلعي) ... ثم أمر على سبيل الاستعارة للشبه المقدم ذكره ، وخاطب في الأمر ترشيحا لاستعارة النداء ، ثم قال ماءَكِ) بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيها لاتّصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح. ثم اختار لاحتباس المطر الإقلاع الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم ما كان ، ثم أمر على سبيل الاستعارة وخاطب في الأمر قائلا (أَقْلِعِي) لمثل ما تقدم في (ابْلَعِي) ، ثم قال : (وَغِيضَ الْماءُ
__________________
(١) النكت مواضع كلام اختصرناه