ويجوز أن تكون فعلا ماضيا ، والواو لأهل مكّة فيكون كالاعتراض في إجراء القصة لقصد العبرة بمنزلة الاعتراض الواقع في قصّة نوح ـ عليهالسلام ـ بقوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ) [هود : ٣٥] الآية. خاطب الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم وأمره بأن يقول لهم : (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ). والفاء الأولى لتفريع الاعتبار على الموعظة وتكون جملة (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم مقول قول مأمور به محذوف يدلّ عليه السياق. والتقدير : فقل قد أبلغتكم. وهذا الأسلوب من قبيل الكلام الموجّه المحتمل معنيين غير متخالفين ، وهو من بديع أساليب الإعجاز ، ولأجله جاء فعل (تَوَلَّوْا) بتاء واحدة بخلاف ما في قوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [محمد : ٣٨].
والتولّي : الإعراض. وقد تقدّم في قوله تعالى : (وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) ، في سورة النساء [٨٠].
وجعل جواب شرط التولّي قوله : (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) مع أنّ الإبلاغ سابق على التولّي المجعول شرطا لأنّ المقصود بهذا الجواب هو لازم ذلك الإبلاغ ، وهو انتفاء تبعة تولّيهم عنه وبراءته من جرمهم لأنّه أدّى ما وجب عليه من الإبلاغ ، فإن كان من كلام هود ـ عليهالسلام ـ ف (ما أُرْسِلْتُ بِهِ) هو ما تقدّم ، وإن كان من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم فما أرسل به هو الموعظة بقصّة قوم هود ـ عليهالسلام ـ.
وعلى كلا الوجهين فهو كناية عن الإنذار بتبعة التولّي عليهم ونزول العقاب بهم ، ولذلك عطف (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي يزيلكم ويخلفكم بقوم آخرين لا يتولون عن رسولهم ، وهذا كقوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [محمد : ٣٨].
وارتفاع (يَسْتَخْلِفُ) في قراءة الكافّة لأنّه معطوف على الجواب مجاز فيه الرفع والجزم. وإنما كان الرفع هنا أرجح لإعطاء الفعل حكم الكلام المستأنف ليكون مقصودا بذاته لا تبعا للجواب ، فبذلك يكون مقصودا به إخبارهم لإنذارهم بالاستئصال.
وكذلك جملة (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) والمراد لا تضرون الله بتولّيكم شيئا و (شَيْئاً) مصدر مؤكد لفعل (تَضُرُّونَهُ) المنفي.
وتنكيره للتّقليل كما هو شأن تنكير لفظ الشيء غالبا. والمقصود من التّأكيد التّنصيص على العموم بنفي الضر لأنّه نكرة في حيّز النفي ، أي فالله يلحق بكم الاستئصال ، وهو