لأنّ الآمر يشبه الهادي للسائر في الطريق ، والممتثل يشبه المتبع للسائر.
والجبار : المتكبّر. والعنيد : مبالغة في المعاندة. يقال : عند ـ مثلث النون ـ إذا طغى ، ومن كان خلقه التجبّر ، والعنود لا يأمر بخير ولا يدعو إلّا إلى باطل ، فدلّ اتّباعهم أمر الجبابرة المعاندين على أنّهم أطاعوا دعاة الكفر والضلال والظلم.
و (كُلِ) من صيغ العموم ، فإن أريد كلّ جبار عنيد من قومهم فالعموم حقيقي ، وإن أريد جنس الجبابرة ف (كُلِ) مستعملة في الكثرة كقول النابغة :
بها كلّ ذيّال وخنساء ترعوي
ومنه قوله تعالى : (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) في سورة الحج [٢٧].
واتباع اللعنة إيّاهم مستعار لإصابتها إيّاهم إصابة عاجلة دون تأخير كما يتبع الماشي بمن يلحقه. وممّا يزيد هذه الاستعارة حسنا ما فيها من المشاركة ومن مماثلة العقاب للجرم لأنّهم اتّبعوا الملعونين فأتبعوا باللّعنة.
وبني فعل (اتَّبَعُوا) للمجهول إذ لا غرض في بيان الفاعل ، ولم يسند الفعل إلى اللعنة مع استيفائه ذلك على وجه المجاز ليدل على أنّ اتباعها لهم كان بأمر فاعل للإشعار بأنّها تبعتهم عقابا من الله لا مجرّد مصادفة.
واللّعنة : الطرد بإهانة وتحقير.
وقرن الدنيا باسم الإشارة لقصد تهوين أمرها بالنّسبة إلى لعنة الآخرة ، كما في قول قيس بن الخطيم :
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة |
|
لنفسي إلّا قد قضيت قضاءها |
أومأ إلى أنّه لا يكترث بالموت ولا يهابه.
وجملة (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) مستأنفة ابتدائية افتتحت بحرف التنبيه لتهويلالخبر ومؤكدة بحرف (إِنَ) لإفادة التعليل بجملة (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) تعريضا بالمشركين ليعتبروا بما أصاب عادا.
وعدّي (كَفَرُوا رَبَّهُمْ) بدون حرف الجر لتضمينه معنى عصوا في مقابلة (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) ، أو لأنّ المراد تقدير مضاف ، أي نعمة ربّهم لأنّ مادّة الكفر لا تتعدّى إلى الذات وإنما تتعدى إلى أمر معنوي.