والسّلام : التحيّة. وتقدّم في قوله : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) في سورة الأنعام [٥٤].
و (سَلاماً) مفعول مطلق وقع بدلا من الفعل. والتّقدير : سلّمنا سلاما.
و (سَلامٌ) المرفوع مصدر مرفوع على الخبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : أمري سلام ، أي لكم ، مثل (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨]. ورفع المصدر أبلغ من نصبه ، لأنّ الرّفع فيه تناسي معنى الفعل فهو أدلّ على الدّوام والثّبات. ولذلك خالف بينهما للدّلالة على أنّ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ردّ السّلام بعبارة أحسن من عبارة الرسل زيادة في الإكرام.
قال ابن عطيّة : حيّا الخليل بأحسن ممّا حيّي به ، أي نظرا إلى الأدب الإلهي الذي علمه لنا في القرآن بقوله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) [النساء : ٨٦] ، فحكي ذلك بأوجز لفظ في العربية أداء لمعنى كلام إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في الكلدانيّة.
وقرأ الجمهور (قالَ سَلامٌ) ـ بفتح السّين وبألف بعد اللّام ـ. وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف : (قالَ سَلامٌ) ـ بكسر السّين وبدون ألف بعد اللّام ـ وهو اسم المسالمة. وسمّيت به التحية كما سمّيت بمرادفه (سلام) فهو من باب اتّحاد وزن فعال وفعل في بعض الصفات مثل : حرام وحرم ، وحلال وحلّ.
والفاء في قوله : (فَما لَبِثَ) للدّلالة على التعقيب إسراعا في إكرام الضّيف ، وتعجيل القرى سنّة عربيّة : ظنهم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ ناسا فبادر إلى قراهم.
واللّبث في المكان يقتضي الانتقال عنه ، أي فما أبطأ. و (أَنْ جاءَ) يجوز أن يكون فاعل (لَبِثَ) ، أي فما لبث مجيئه بعجل حنيذ ، أي فما أبطأ مجيئه مصاحبا له ، أي بل عجّل. ويجوز جعل فاعل (لَبِثَ) ضمير إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فيقدّر جار ل (جاءَ). والتّقدير : فما لبث بأن جاء به. وانتفاء اللبث مبالغة في العجل.
والحنيذ : المشوي ، وهو المحنوذ. والشيء أسرع من الطبخ ، فهو أعون على تعجيل إحضار الطعام للضيف.
و (لا تَصِلُ إِلَيْهِ) أشد في عدم الأخذ من (لا تتناوله).
ويقال : نكر الشيء إذا أنكره أي كرهه.
وإنّما نكرهم لأنّه حسب أنّ إمساكهم عن الأكل لأجل التبرّؤ من طعامه ، وإنّما يكون