وقد اختصرت القصة هنا اختصارا بديعا لوقوعها في خلال الحوار بين الرسل وإبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، وحكاية ذلك الحوار اقتضت إتمامه بحكاية قولهم : (لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ). وأمّا البشرى فقد حصلت قبل أن يخبروه بأنّهم أرسلوا إلى قوم لوط كما في آية سورة الذاريات [٢٨] (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ). فلمّا اقتضى ترتيب المحاورة تقديم جملة (قالُوا لا تَخَفْ) حكيت قصة البشرى وما تبعها من المحاورة بطريقة الحال ، لأنّ الحال تصلح للقبليّة وللمقارنة وللبعدية ، وهي الحال المقدّرة.
وإنّما ضحكت امرأة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ من تبشير الملائكة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بغلام ، وكان ضحكها ضحك تعجّب واستبعاد. وقد وقع في التّوراة في الإصلاح الثامن عشر من سفر التكوين «وقالوا له : أين سارة امرأتك؟ فقال : ها هي في الخيمة. فقالوا : يكون لسارة امرأتك ابن ، وكانت سارة سامعة في باب الخيمة فضحكت سارة في باطنها قائلة : أفبالحقيقة ألد وأنا قد شخت؟ فقال الربّ : لما ذا ضحكت سارة؟ فأنكرت سارة قائلة لم أضحك ، لأنّها خافت ، قال : لا بل ضحكت».
وتفريع (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) على جملة (فَضَحِكَتْ) باعتبار المعطوف وهو وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) لأنّها ما ضحكت إلّا بعد أن بشّرها الملائكة بابن ، فلمّا تعجبت من ذلك بشّروها بابن الابن زيادة في البشرى. والتّعجيب بأن يولد لها ابن ويعيش وتعيش هي حتّى يولد لابنها ابن. وذلك أدخل في العجب لأن شأن أبناء الشيوخ أن يكونوا مهزولين لا يعيشون غالبا إلّا معلولين ، ولا يولد لهم في الأكثر ولأن شأن الشيوخ الذين يولد لهم أن لا يدركوا يفع أولادهم بله أولاد أولادهم.
ولما بشّروها بذلك صرحت بتعجبها الذي كتمته بالضحك ، فقالت : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) ، فجملة (قالَتْ) جواب للبشارة.
و (يعقوب) مبتدأ (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ) خبر ، والجملة على هذا في محلّ الحال. وهذه قراءة الجمهور. وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص (يَعْقُوبَ) بفتحة وهو حينئذ عطف على (إِسْحاقَ). وفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف وخطبه سهل وإن استعظمه ظاهرية النحاة كأبي حيان بقياس حرف العطف النائب هنا مناب الجار على الجار نفسه ، وهو قياس ضعيف إذ كون لفظ بمعنى لفظ لا يقتضي إعطاءه جميع أحكامه كما في «مغني اللبيب».