وبادرهم لوط ـ عليهالسلام ـ بقوله : (يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ). وافتتاح الكلام بالنّداء وبأنّهم قومه ترقيق لنفوسهم عليه ، لأنّه يعلم تصلبهم في عادتهم الفظيعة كما دلّ عليه قولهم : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) [هود : ٧٩] ، كما سيأتي.
والإشارة ب (هؤُلاءِ) إلى (بَناتِي). و (بَناتِي) بدل من اسم الإشارة ، والإشارة مستعملة في العرض ، والتقدير : فخذوهن.
وجملة (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) تعليل للعرض. ومعنى (هُنَّ أَطْهَرُ) أنهنّ حلال لكم يحلن بينكم وبين الفاحشة ، فاسم التفضيل مسلوب المفاضلة قصد به قوّة الطهارة.
و (هؤُلاءِ) إشارة إلى جمع ، إذ بيّن بقوله : (بَناتِي).
وقد روي أنه لم يكن له إلّا ابنتان ، فالظّاهر أن إطلاق البنات هنا من قبيل التشبيه البليغ ، أي هؤلاء نساؤهن كبناتي. وأراد نساء من قومه بعدد القوم الذين جاءوا يهرعون إليه. وهذا معنى ما فسر به مجاهد ، وابن جبير ، وقتادة ، وهو المناسب لجعلهنّ لقومه إذ قال : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) ، فإن قومه الذين حضروا عنده كثيرون ، فيكون المعنى : هؤلاء النساء فتزوّجوهنّ. وهذا أحسن المحامل.
وقيل : أراد بنات صلبه ، وهو رواية عن قتادة. وإذ كان المشهور أنّ لوطا ـ عليهالسلام ـ له ابنتان صار الجمع مستعملا في الاثنين بناء على أن الاثنين تعامل معاملة الجمع في الكلام كقوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : ٤].
وقيل : كان له ثلاث بنات.
وتعترض هذا المحمل عقبتان :
الأولى : أنّ القوم كانوا عددا كثيرا فكيف تكفيهم بنتان أو ثلاث؟!.
الثانية : أن قوله : (هؤُلاءِ بَناتِي) عرض عليهم كما علمت آنفا ، فكيف كانت صفة هذه التخلية بين القوم وبين البنات وهم عدد كثير ، فإن كان تزويجا لم يكفين القوم وإن كان غير تزويج فما هو؟.
والجواب عن الأول : أنه يجوز أن يكون عدد القوم الذين جاءوه بقدر عدد بناته أو أن يكون مع بناته حتى من قومه. وعن الثاني : أنه يجوز أن يكون تصرف لوط ـ عليهالسلام ـ في بناته بوصف الأبوة ، ويجوز أن يكون تصرفا بوصف النبوءة بالوحي للمصلحة