وشرّها وما ينافر طبع المتّصف بها.
والسّعيد : ضدّ الشقيّ ، وهو المتلبّس بالسّعادة التي هي الأحوال الحسنة الخيّرة الملائمة للمتّصف بها. والمعنى : فمنهم يومئذ من هو في عذاب وشدّة ومنهم من هو في نعمة ورخاء.
والشّقاوة والسّعادة من المواهي المقولة بالتّشكيك فكلتاهما مراتب كثيرة متفاوتة في قوّة الوصف. وهذا إجمال تفصيله (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) إلى آخره.
والزّفير : إخراج الأنفاس بدفع وشدّة بسبب ضغط التنفّس. والشّهيق : عكسه وهو اجتلاب الهواء إلى الصّدر بشدّة لقوة الاحتياج إلى التنفس.
وخص بالذّكر من أحوالهم في جهنّم الزّفير والشّهيق تنفيرا من أسباب المصير إلى النّار لما في ذكر هاتين الحالتين من التّشويه بهم وذلك أخوف لهم من الألم.
ومعنى (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) التأييد لأنّه جرى مجرى المثل ، وإلّا فإنّ السّماوات والأرض المعروفة تضمحلّ يومئذ ، قال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨] أو يراد سماوات الآخرة وأرضها.
و (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) استثناء من الأزمان التي عمّها الظرف في قوله : (ما دامَتِ) أي إلّا الأزمان التي شاء الله فيها عدم خلودهم ، ويستتبع ذلك استثناء بعض الخالدين تبعا للأزمان. وهذا بناء على غالب إطلاق (ما) الموصولة أنّها لغير العاقل. ويجوز أن يكون استثناء من ضمير (خالِدِينَ) لأنّ (ما) تطلق على العاقل كثيرا ، كقوله : (ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣]. وقد تكرّر هذا الاستثناء في الآية مرّتين.
فأمّا الأوّل منهما فالمقصود أنّ أهل النّار مراتب في طول المدة فمنهم من يعذّب ثمّ يعفى عنه ، مثل أهل المعاصي من الموحّدين ، كما جاء في الحديث : أنّهم يقال لهم الجهنميون في الجنّة ، ومنهم الخالدون وهم المشركون والكفّار.
وجملة (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) استئناف بيانيّ ناشئ عن الاستئناف ، لأنّ إجمال المستثنى ينشئ سؤالا في نفس السّامع أن يقول : ما هو تعيين المستثنى أو لما ذا لم يكن الخلود عاما. وهذا مظهر من مظاهر التفويض إلى الله.
وأمّا الاستثناء الثاني الواقع في جانب (الَّذِينَ سُعِدُوا) فيحتمل معنيين :