شائع في الكلام العربيّ في لفظ (يوم) و (ليلة) توسّعا بإطلاقهما على جزء من زمانهما إذ لا يخلو الزّمان من أن يقع في نهار أو في ليل فذلك يوم أو ليلة فإذا أطلقها هذا الإطلاق لم يستفد منهما إلّا معنى (حين) دون تقدير بمدّة ولا بنهار ولا ليل ، ألا ترى قول النابغة :
تخيّرن من أنهار يوم حليمة
فأضاف (أنهار) جمع نهار إلى اليوم. وروي : من أزمان يوم حليمة.
وقول توبة بن الحمير :
كأن القلب ليلة قيل : يغدى |
|
بليلي الأخيلية أو يراح |
أراد ساعة ، قيل : يغدى بليلى ، ولذلك قال : يغدى أو يراح ، فلم يراقب ما يناسب لفظ ليلة من الرّواح.
فقوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ) معناه حين يأتي ، وضمير (يأتي) عائد إلى (يَوْمٌ مَشْهُودٌ) [هود : ١٠٣] وهو يوم القيامة. والمراد بإتيانه وقوعه وحلوله كقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) [الزخرف : ٦٦].
فقوله : (يَوْمَ يَأْتِ) ظرف متعلّق بقوله : (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ).
وجملة (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) مستأنفة ابتدائية. قدّم الظرف على فعلها للغرض المتقدم. والتّقدير : لا تكلّم نفس حين يحلّ اليوم المشهود. والضّمير في (بِإِذْنِهِ) عائد إلى الله تعالى المفهوم من المقام ومن ضمير (نُؤَخِّرُهُ) [هود : ١٠٤]. والمعنى أنّه لا يتكلّم أحد إلّا بإذن من الله ، كقوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٨]. والمقصود من هذا إبطال اعتقاد أهل الجاهلية أنّ الأصنام لها حقّ الشفاعة عند الله.
و (نَفْسٌ) يعمّ جميع النفوس لوقوعه في سياق النفي ، فشمل النفوس البرة والفاجرة ، وشمل كلام الشافع وكلام المجادل عن نفسه. وفصّل عموم النفوس باختلاف أحوالها. وهذا التفصيل مفيد تفصيل الناس في قوله : (مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) [هود : ١٠٣] ، ولكنّه جاء على هذا النسج لأجل ما تخلّل ذلك من شبه الاعتراض بقوله : (وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) [هود : ١٠٤] إلى قوله : (بِإِذْنِهِ) وذلك نسيج بديع.
والشقيّ : فعيل صفة مشبهة من شقي ، إذا تلبّس بالشّقاء والشقاوة ، أي سوء الحالة