(وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) لتحقير رأيهم من رجاء الشفاعة من تلك الأصنام ، فإنها لا تقدر على ضر ولا نفع في الدنيا فهي أضعف مقدرة في الآخرة.
واختيار صيغة المضارع في (يَعْبُدُونَ) و (يَقُولُونَ) لاستحضار الحالة العجيبة من استمرارهم على عبادتها ، أي عبدوا الأصنام ويعبدونها تعجيبا من تصميمهم على ضلالهم ومن قولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) فاعترفوا بأن المتصرف هو الله.
وقدم ذكر نفي الضر على نفي النفع لأن المطلوب من المشركين الإقلاع عن عبادة الأصنام وقد كان سدنتها يخوفون عبدتها بأنها تلحق بهم وبصبيانهم الضر ، كما قالت امرأة طفيل بن عمرو الدوسي حين أخبرها أنه أسلم ودعاها إلى أن تسلم فقالت : «أما تخشى على الصبية من ذي الشّرى» (١). فأريد الابتداء بنفي الضر لإزالة أوهام المشركين في ذلك الصّادّة لكثير منهم عن نبذ عبادة الأصنام.
وقد أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يرد عليهم بتهكم بهم بأنهم قد أخبروا الله بأن لهم شفعاء لهم عنده. ومعنى ذلك أن هذا لما كان شيئا اخترعوه وهو غير واقع جعل اختراعه بمنزلة أنهم أعلموا الله به وكان لا يعلمه فصار ذلك كناية عن بطلانه لأن ما لم يعلم الله وقوعه فهو منتف. ومن هذا قول من يريد نفي شيء عن نفسه : ما علم الله هذا مني. وفي ضده قولهم في تأكيد وقوع الشيء : يعلم الله كذا ، حتى صار عند العرب من صيغ اليمين.
و (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) حال من الضمير المحذوف بعد (يَعْلَمُ) العائد على (ما) ، إذ التقدير : بما لا يعلمه ، أي كائنا في السماوات ولا في الأرض. والمقصود من ذكرهما تعميم الأمكنة ، كما هو استعمال الجمع بين المتقابلات مثل المشرق والمغرب. وأعيد حرف النفي بعد العاطف لزيادة التنصيص على النفي.
والاستفهام في (أَتُنَبِّئُونَ) للإنكار والتوبيخ. والإنباء : الإعلام.
وجملة : (سُبْحانَهُ وَتَعالى) إنشاء تنزيه ، فهي منقطعة عن التي قبلها فلذلك فصلت. وتقدم الكلام على نظيره عند قوله : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) في سورة الأنعام [١٠٠].
__________________
(١) الشرى ـ بفتح الشين المعجمة وألف في آخره ـ شجر الحنظل. وذو الشرى : صنم كان يعبده بنو دوس. كان بين مكة والطائف. ويسمى أيضا ذا الكفين.