[البقرة : ٢١٣]. وأريد به الاختلاف بين أتباع الشرائع لقوله : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) [البقرة : ٢١٣].
وتقدم القول في (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) في سورة البقرة [٢١٣].
والناس : اسم جمع للبشر. وتعريفه للاستغراق. والأمة : الجماعة العظيمة التي لها حال واحد في شيء ما.
والمراد هنا أمة واحدة في الدين. والسياق يدل على أن المراد أنها واحدة في الدين الحق وهو التوحيد لأن الحق هو الذي يمكن اتفاق البشر عليه لأنه ناشئ عن سلامة الاعتقاد من الضلال والتحريف. والإنسان لما أنشئ على فطرة كاملة بعيدة عن التكلف. وإنما يتصور ذلك في معرفة الله تعالى دون الأعمال ، لأنها قد تختلف باختلاف الحاجات ، فإذا جاز أن يحدث في البشر الضلال والخطأ فلا يكون الضلال عاما على عقولهم ، فتعين أن الناس في معرفة الله تعالى كانوا أمة واحدة متفقين على التوحيد لأن الله لما فطر الإنسان فطره على عقل سليم موافق للواقع ، ووضع في عقله الشعور بخالق وبأنه واحد وضعا جبلّيا كما وضع الإلهامات في أصناف الحيوان. وتأيد ذلك بالوحي لأبي البشر وهو آدم عليهالسلام.
ثم إن البشر أدخلوا على عقولهم الاختلاف البعيد عن الحق بسبب الاختلاق الباطل والتخيل والأوهام بالأقيسة الفاسدة. وهذا مما يدخل في معنى قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [التين : ٤ ـ ٦] ، فتعين أن المراد في هذه الآية بكون الناس أمة واحدة الوحدة في الحق ، وأن المقصود مدح تلك الحالة لأن المقصود من هذه الآية بيان فساد الشرك وإثبات خطأ منتحليه بأن سلفهم الأول لم يكن مثلهم في فساد العقول ، وقد كان للمخاطبين تعظيم لما كان عليه أسلافهم ، ولأن صيغة القصر تؤذن بأن المراد إبطال زعم من يزعم غير ذلك.
ووقوعه عقب ذكر من يعبدون من دون الله أصناما لا تضرهم ولا تنفعهم يدل على أنهم المقصود بالإبطال ، فإنهم كانوا يحسبون أن ما هم عليه من الضلال هو دين الحق ، ولذلك صوروا إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام في الكعبة. فقال النبيصلىاللهعليهوسلم يوم الفتح «ذبوا والله إن استقسما بها قط ، وقرأ : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران : ٦٧]» وبهذا الوجه يجعل التعريف في (النَّاسُ) للاستغراق.