إما أن يكون التفاتا ، وأصل الكلام : لو لا أنزل عليك ، وهو من حكاية القول بالمعنى كقوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) [إبراهيم : ٣١] أي قل لهم أقيموا ، ونكتة ذلك نكتة الالتفات لتجديد نشاط السامع.
وإما أن يكون هذا القول صدر منهم فيما بينهم ليبين بعضهم لبعض شبهة على انتفاء رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم أو صدر منهم للمسلمين طمعا في أن يردوهم إلى الكفر.
والآية : علامة الصدق. وأرادوا خارقا للعادة على حسب اقتراحهم مثل قولهم : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) [الإسراء : ٩٣] وقولهم : (لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) [القصص : ٤٨] وهذا من جهلهم بحقائق الأشياء وتحكيمهم الخيال والوهم في حقائق الأشياء ، فهم يفرضون أن الله حريص على إظهار صدق رسوله صلىاللهعليهوسلم وأنه يستفزّه تكذيبهم إياه فيغضب ويسرع في مجاراة عنادهم ليكفوا عنه ، فإن لم يفعل فقد أفحموه وأعجزوه وهو القادر ، فتوهموا أن مدعي الرسالة عنه غير صادق في دعواه وما دروا أن الله قدر نظام الأمور تقديرا ، ووضع الحقائق وأسبابها ، وأجرى الحوادث على النظام الذي قدره ، وجعل الأمور بالغة مواقيتها التي حدد لها ، ولا يضره أن يكذّب المكذّبون أو يعاند الجاهلون وقد وضع لهم ما يليق بهم من الزواجر في الآخرة لا محالة ، وفي الدنيا تارات ، كل ذلك يجري على نظم اقتضتها الحكمة لا يحمله على تبديلها سؤال سائل ولا تسفيه سفيه. وهو الحكيم العليم.
فهم جعلوا استمرار الرسول صلىاللهعليهوسلم على دعوتهم بالأدلة التي أمره الله أن يدعوهم بها وعدم تبديله ذلك بآيات أخرى على حسب رغبتهم جعلوا كل ذلك دليلا على أنه غير مؤيد من الله فاستدلوا بذلك على انتفاء أن يكون الله أرسله ، لأنه لو أرسله لأيّده بما يوجب له القبول عند المرسل إليهم. وما درى المساكين أن الله إنما أرسل الرسول صلىاللهعليهوسلم رحمة بهم وطلبا لصلاحهم ، وأنه لا يضره عدم قبولهم رحمته وهدايته. ولذلك أتى في حكاية كلامهم العدول عن اسم الجلالة إلى لفظ الرب المضاف إلى ضمير الرسول صلىاللهعليهوسلم في قوله : (مِنْ رَبِّهِ) إيماء إلى الربوبية الخاصة بالتعلق بالرسول صلىاللهعليهوسلم وهي ربوبية المصطفي (بصيغة اسم الفاعل) للمصطفى (بصيغة المفعول) من بين بقية الخلق المقتضية الغضب لغضبه لتوهمهم أن غضب الله مثل غضب الخلائق يستدعي الإسراع إلى الانتقام وما علموا أسرار الحكمة الإلهية والحكم الإلهي والعلم الأعلى.
وقد أمر الله رسوله بأن يجيب عن اقتراحهم بما هو الحقيقة المرشدة وإن كانت أعلى