التعليم مما يراد رسوخه من القواعد العلمية أن يؤتى به في صورة السؤال والجواب.
وقوله : (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) تذكير بأحوال الرزق ؛ ليكون أقوى حضورا في الذهن ، فالرزق من السماء المطر ، والرزق من الأرض النبات كله من حب وثمر وكلإ.
و (أم) في قوله : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ) للإضراب الانتقالي من استفهام إلى آخر.
ومعنى : (يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) يملك التصرف فيهما ، وهو ملك إيجاد تينك الحاستين وذلك استدلال وتذكير بأنفع صنع وأدقه.
وأفرد (السَّمْعَ) لأنه مصدر فهو دال على الجنس الموجود في جميع حواس الناس.
وأما (الْأَبْصارَ) فجيء به جمعا لأنه اسم ، فهو ليس نصا في إفادة العموم لاحتمال توهم بصر مخصوص فكان الجمع أدل على قصد العموم وأنفى لاحتمال العهد ونحوه بخلاف قوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٦] لأن المراد الواحد لكل مخاطب بقوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : ٣٦]. وقد تقدم عند قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) في سورة الأنعام [٤٦].
وإخراج الحي من الميت : هو تولد أطفال الحيوان من النطف ومن البيض ؛ فالنطفة أو البيضة تكون لا حياة فيها ثم تتطور إلى الشكل القابل للحياة ثم تكون فيها الحياة. و (من) في قوله : (مِنَ الْمَيِّتِ) للابتداء. وإخراج الميت من الحي إخراج النطفة والبيض من الحيوان.
والتعريف في (الْحَيَ) و (الْمَيِّتِ) في المرتين تعريف الجنس.
وقد نظم هذا الاستدلال على ذلك الصنع العجيب بأسلوب الأحاجي والألغاز وجعل بمحسن التضاد ، كل ذلك لزيادة التعجيب منه. وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) في سورة آل عمران [٢٧]. غير أن ما هنا ليس فيه رمز إلى شيء.
وقوله : (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) تقدم القول في نظيره في أوائل هذه السورة. وهو هنا تعميم بعد تخصيص ذكر ما فيه مزيد عبرة في أنفسهم كالعبرة في قوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) [الذاريات : ٢١ ، ٢٢].