سورة آل عمران وفي المقدمة الأولى من هذا التفسير. ويطلق التأويل على اتضاح ما خفي من معنى لفظ أو إشارة ، كما في قوله تعالى : (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ)[يوسف : ١٠٠] وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) [الأعراف : ٥٣] أي ظهور ما أنذرهم به من العذاب. والتأويل الذي في هذه الآية يحتمل المعنيين ولعل كليهما مراد ، أي لما يأتهم تأويل ما يدّعون أنهم لم يفهموه من معاني القرآن لعدم اعتيادهم بمعرفة أمثالها ، مثل حكمة التشريع ، ووقوع البعث ، وتفضيل ضعفاء المؤمنين على صناديد الكافرين ، وتنزيل القرآن منجما ، ونحو ذلك. فهم كانوا يعتبرون الأمور بما ألفوه في المحسوسات وكانوا يقيسون الغائب على الشاهد فكذبوا بذلك وأمثاله قبل أن يأتيهم تأويله. ولو آمنوا ولازموا النبيصلىاللهعليهوسلم لعلموها واحدة بعد واحدة. وأيضا لما يأتهم تأويل ما حسبوا عدم التعجيل به دليلا على الكذب كما قالوا : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ظنا أنهم إن استغضبوا الله عجّل لهم بالعذاب فظنوا تأخر حصول ذلك دليلا على أن القرآن ليس حقا من عنده. وكذلك كانوا يسألون آيات من الخوارق ، كقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠] الآية. ولو أسلموا ولازموا النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لعلموا أن الله لا يعبأ باقتراح الضلال.
وعلى الوجهين فحرف (لَمَّا) موضوع لنفي الفعل في الماضي والدلالة على استمرار النفي إلى وقت التكلم ، وذلك يقتضي أن المنفي بها متوقّع الوقوع ، ففي النفي بها هنا دلالة على أنه سيجيء بيان ما أجمل من المعاني فيما بعد ، فهي بذلك وعد ، وأنه سيحل بهم ما توعدهم به ، كقوله : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) [الأعراف : ٥٣] الآية. فهي بهذا التفسير وعيد.
وجملة : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) استئناف. والخطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم أو لمن يتأتى منه السماع. والإشارة ب (كَذلِكَ) إلى تكذيبهم المذكور ، أي كان تكذيب الذين من قبلهم كتكذيبهم ، والمراد بالذين من قبلهم الأمم المكذبون رسلهم كما دل عليه المشبه به.
ومما يقصد من هذا التشبيه أمور :
أحدها : أن هذه عادة المعاندين الكافرين ليعلم المشركون أنهم مماثلون للأمم التي كذبت الرسل فيعتبروا بذلك.
الثاني : التعريض بالنذارة لهم بحلول العذاب بهم كما حل بأولئك الأمم التي عرف