أتبع ذلك بالتنويه بالقرآن وإثبات أنه خارج عن طوق البشر وتسفيه الذين كذبوه وتفننوا في الإعراض عنه واستوفي الغرض حقّه عاد الكلام إلى ذكر يوم الحشر مرة أخرى إذ هو حين خيبة أولئك الذين كذبوا بالبعث وهم الذين أشركوا وظهر افتضاح شركهم في يوم الحشر فكان مثل رد العجز على الصدر.
وانتصب (يَوْمَ) على الظرفية لفعل (خَسِرَ). والتقدير : وقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله يوم نحشرهم ، فارتباط الكلام هكذا : وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون وقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله يوم نحشرهم. وتقديم الظرف على عامله للاهتمام لأن المقصود الأهم تذكيرهم بذلك اليوم وإثبات وقوعه مع تحذيرهم ووعيدهم بما يحصل لهم فيه.
ولذلك عدل عن الإضمار إلى الموصولية في قوله : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) دون قد خسروا ، للإيماء إلى أن سبب خسرانهم هو تكذيبهم بلقاء الله وذلك التكذيب من آثار الشرك فارتبط بالجملة الأولى ، وهي جملة : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ) إلى قوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [يونس : ٢٨ ـ ٣٠].
وقرأ الجمهور نحشرهم بنون العظمة ، وقرأه حفص عن عاصم بياء الغيبة ، فالضمير يعود إلى اسم الجلالة في قوله قبله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) [يونس : ٤٤].
وجملة : (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) إما معترضة بين جملة : نحشرهم وجملة (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) ، وإما حال من الضمير المنصوب في نحشرهم.
و (كَأَنْ) مخففة (كأنّ) المشددة النون التي هي إحدى أخوات (إنّ) ، وهي حرف تشبيه ، وإذا خففت يكون اسمها محذوفا غالبا ، والتقدير هنا : كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من النهار. وقد دل على الاسم المحذوف ما تقدم من ضمائرهم.
والمعنى تشبيه المحشورين بعد أزمان مضت عليهم في القبور بأنفسهم لو لم يلبثوا في القبور إلا ساعة من النهار.
و (مِنَ النَّهارِ) (من) فيه تبعيضية صفة ل (ساعَةً) وهو وصف غير مراد منه التقييد إذ لا فرق في الزمن القليل بين كونه من النهار أو من الليل وإنما هذا وصف خرج مخرج الغالب لأن النهار هو الزمن الذي تستحضره الأذهان في المتعارف ، مثل ذكر لفظ الرجل في الإخبار عن أحوال الإنسان كقوله تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) [الأعراف : ٤٦]. ومن