وتقديم المجرور على عامله في قوله : (لِي ساجِدِينَ) للاهتمام ، عبّر به عن معنى تضمّنه كلام يوسف ـ عليهالسلام ـ بلغته يدل على حالة في الكواكب من التعظيم له تقتضي الاهتمام بذكره فأفاده تقديم المجرور في اللغة العربيّة.
وابتداء قصة يوسف ـ عليهالسلام ـ بذكر رؤياه إشارة إلى أنّ الله هيّأ نفسه للنبوءة فابتدأه بالرؤيا الصّادقة كما جاء في حديث عائشة «أنّ أوّل ما ابتدئ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح». وفي ذلك تمهيد للمقصود من القصة وهو تقرير فضل يوسف ـ عليهالسلام ـ من طهارة وزكاء نفس وصبر. فذكر هذه الرؤيا في صدر القصّة كالمقدّمة والتّمهيد للقصّة المقصودة.
وجعل الله تلك الرؤيا تنبيها ليوسف ـ عليهالسلام ـ بعلو شأنه ليتذكرها كلما حلت به ضائقة فتطمئن بها نفسه أن عاقبته طيبة.
وإنما أخبر يوسف ـ عليهالسلام ـ أباه بهاته الرؤيا لأنّه علم بإلهام أو بتعليم سابق من أبيه أن للرؤيا تعبيرا ، وعلم أنّ الكواكب والشّمس والقمر كناية عن موجودات شريفة ، وأنّ سجود المخلوقات الشّريفة له كناية عن عظمة شأنه. ولعلّه علم أنّ الكواكب كناية عن موجودات متماثلة ، وأنّ الشمس والقمر كناية عن أصلين لتلك الموجودات فاستشعر على الإجمال دلالة رؤياه على رفعة شأنه فأخبر بها أباه.
وكانوا يعدّون الرؤيا من طرق الإنباء بالغيب ، إذا سلمت من الاختلاط وكان مزاج الرائي غير منحرف ولا مضطرب ، وكان الرائي قد اعتاد وقوع تأويل رؤياه ، وهو شيء ورثوه من صفاء نفوس أسلافهم إبراهيم وإسحاق ـ عليهمالسلام ـ. فقد كانوا آل بيت نبوءة وصفاء سريرة.
ولمّا كانت رؤيا الأنبياء وحيا ، وقد رأى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في المنام أنّه يذبح ولد فلمّا أخبره (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) [سورة الصافات : ١٠٢]. وإلى ذلك يشير قول أبي يوسف ـ عليهالسلام ـ : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) [سورة يوسف : ٦]. فلا جرم أن تكون مرائي أبنائهم مكاشفة وحديثا ملكيا.
وفي الحديث : «لم يبق من المبشرات إلّا الرؤيا الصّالحة يراها المسلم أو ترى له».
والاعتداد بالرؤيا من قديم أمور النبوءة. وقد جاء في التّوراة أن الله خاطب إبراهيم