مدة البعد التي يبعد معها اللقاء عادة. فإن الله إذا شاء تفريج كربة هيّأ لها أسبابها ، ومن كان يؤمن بأن الله واسع القدرة لا يحيل مثل ذلك فحقّه أن يأخذ في سببه ويعتمد على الله في تيسيره ، وأما القوم الكافرون بالله فهم يقتصرون على الأمور الغالبة في العادة وينكرون غيرها.
وقرأ البزي بخلف عنه ولا تأيسوا ـ وإنه لا يأيس بتقديم الهمزة على الياء الثانية ، وتقدم في قوله : (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) [سورة يوسف : ٨٠].
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨))
الفاء عاطفة على كلام مقدّر دل عليه المقام ، أي فارتحلوا إلى مصر بقصد استطلاق بنيامين من عزيز مصر ثم بالتعرض إلى التحسّس من يوسف ـ عليهالسلام ـ ، فوصلوا مصر ، فدخلوا على يوسف ، (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) إلخ ... وقد تقدم آنفا وجه دعائهم يوسف عليهالسلام بوصف العزيز.
وأرادوا بمسّ الضر إصابته. وقد تقدم إطلاق مسّ الضرّ على الإصابة عند قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) في سورة الأنعام [١٧].
والبضاعة تقدمت آنفا. والمزجاة : القليلة التي لا يرغب فيها فكأنّ صاحبها يزجيها ، أي يدفعها بكفة ليقبلها المدفوعة إليه. والمراد بها مال قليل للامتيار ، ولذلك فرع عليه (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ). وطلبوا التصدّق منه تعريضا بإطلاق أخيهم لأن ذلك فضل منه إذ صار مملوكا له كما تقدم.
وجملة (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) تعليل لاستدعائهم التصدّق عليهم.
[٨٩ ـ ٩٣] (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣))