الاستفهام مستعمل في التوبيخ.
و (هَلْ) مفيدة للتحقيق لأنها بمعنى (قَدْ) في الاستفهام. فهو توبيخ على ما يعلمونه محققا من أفعالهم مع يوسف عليهالسلام وأخيه ، أي أفعالهم الذميمة بقرينة التوبيخ ، وهي بالنسبة ليوسف عليهالسلام واضحة ، وأما بالنسبة إلى بنيامين فهي ما كانوا يعاملونه به مع أخيه يوسف عليهالسلام من الإهانة التي تنافيها الأخوة ، ولذلك جعل ذلك الزمن زمن جهالتهم بقوله: (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ).
وفيه تعريض بأنهم قد صلح حالهم من بعد. وذلك إما بوحي من الله إن كان صار نبيئا أو بالفراسة لأنه لما رآهم حريصين على رغبات أبيهم في طلب فداء (بنيامين) حين أخذ في حكم تهمة السرقة وفي طلب سراحه في هذا الموقف مع الإلحاح في ذلك وكان يعرف منهم معاكسة أبيهم في شأن بنيامين علم أنهم ثابوا إلى صلاح.
وإنما كاشفهم بحاله الآن لأن الاطلاع على حاله يقتضي استجلاب أبيه وأهله إلى السكنى بأرض ولايته ، وذلك كان متوقفا على أشياء لعلها لم تتهيأ إلا حينئذ. وقد أشرنا إلى ذلك عند قوله تعالى : (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) [يوسف : ٧٩] فقد صار يوسف عليهالسلام جدّ مكين عند فرعون.
وفي الإصحاح (٤٥) من سفر التكوين أن يوسف ـ عليهالسلام ـ قال لإخوته حينئذ «وهو ـ أي الله ـ قد جعلني أبا لفرعون وسيدا لكل بيته ومتسلطا على كل أرض مصر».
فالظاهر أن الملك الذي أطلق يوسف ـ عليهالسلام ـ من السجن وجعله عزيز مصر قد توفّي وخلفه ابن له فجبه يوسف ـ عليهالسلام ـ وصار للملك الشاب بمنزلة الأب ، وصار متصرّفا بما يريد ، فرأى الحال مساعدا لجلب عشيرته إلى أرض مصر.
ولا تعرف أسماء ملوك مصر في هذا الزمن الذي كان فيه يوسف عليهالسلام لأن المملكة أيامئذ كانت منقسمة إلى مملكتين : إحداهما ملوكها من القبط وهم الملوك الذين يقسمهم المؤرخون الإفرنج إلى العائلات الخامسة عشرة ، والسادسة عشرة ، والسابعة عشرة ، وبعض الثامنة عشرة.
والمملكة الثانية ملوكها من الهكسوس ، ويقال لهم : العمالقة أو الرعاة وهم عرب.
ودام هذا الانقسام خمسمائة سنة وإحدى عشرة سنة من سنة (٢٢١٤) قبل المسيح إلى سنة (١٧٠٣) قبل المسيح.