(فِي النَّارِ) لأنها أخصر وأجمع ، ولأن الغرض في ذكر الجملة المجعولة صلة ، فلو ذكرت بكيفية غير صلة كالوصفية مثلا لكانت بمنزلة الفضلة في الكلام ولطال الكلام بذكر اسم المعدنين مع ذكر الصلة إذ لا محيد عن ذكر الوقود لأنه سبب الزبد ، فكان الإتيان بالموصول قضاء لحق ذكر الجملة مع الاختصار البديع.
ولأنّ في العدول عن ذكر اسم الذهب والفضة إعراضا يؤذن بقلة الاكتراث بهما ترفعا عن ولع النّاس بهما فإن اسميهما قد اقترنا بالتعظيم في عرف النّاس.
ومن في قوله : ومما توقدون ابتدائية.
و (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ) مفعول لأجله متعلق ب توقدون. ذكر لإيضاح المراد من الصلة ولإدماج ما فيه من منة تسخير ذلك للناس. لشدة رغبتهم فيهما.
والحلية : ما يتحلى به ، أي يتزين وهو المصوغ.
والمتاع : ما يتمتع به وينتفع ، وذلك المسكوك الذي يتعامل به الناس من الذهب والفضة.
وقرأ الجمهور (تُوقِدُونَ) ـ بفوقية في أوله ـ على الخطاب ، وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف ـ بتحتية ـ على الغيبة.
وجملة (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) معترضة ، هي فذلكة التمثيل ببيان الغرض منه ، أي مثل هذه الحالة يكون ضرب مثل للحق والباطل. فمعنى (يَضْرِبُ) يبيّن ويمثل. وقد تقدم معنى يضرب عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) في سورة البقرة [٢٦].
فحذف مضاف في قوله : (يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَ) ، والتقدير : يضرب الله مثل الحق والباطل ، دلالة فعل (يَضْرِبُ) على تقدير هذا المضاف.
وحذف الجار من (الْحَقَ) لتنزيل المضاف إليه منزلة المضاف المحذوف.
وقد علم أن الزبد مثل للباطل وأن الماء مثل للحق ، فارتقى عند ذلك إلى ما في المثلين من صفتي البقاء والزوال ليتوصل بذلك إلى البشارة والنذارة لأهل الحق وأهل الباطل بأن الفريق الأول هو الباقي الدائم ، وأن الفريق الثاني زائل بائد ، كقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ* إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ