أصنامهم إلى كشف السبب ، وهو أن أئمة المشركين زيّنوا للذين كفروا مكرهم بهم إذ وضعوا لهم عبادتها.
والمكر : إخفاء وسائل الضر. وتقدم عند قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) في أوائل سورة آل عمران [٥٤] ، وعند قوله : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) في سورة الأعراف [٩٩] ، وعند قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) في سورة الأنفال [٣٠]. والمراد هنا أن أئمة الكفر مثل عمرو بن لحيّ وضعوا للعرب عبادة الأصنام وحسّنوها إليهم مظهرين لهم أنها حق ونفع وما أرادوا بذلك إلا أن يكونوا قادة لهم ليسودوهم ويعبّدوهم.
فلما كان الفعل المبني للمجهول يقتضي فاعلا منويّا كان قوله : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في قوة قولك : زيّن لهم مزين. والشيء المزيّن (بالفتح) هو الذي الكلام فيه وهو عبادة الأصنام فهي المفعول في المعنى لفعل التزيين المبني للمجهول ، فتعين أن المرفوع بعد ذلك الفعل هو المفعول في المعنى ، فلا جرم أن مكرهم هو المفعول في المعنى ، فتعيّن أن المكر مراد به عبادة الأصنام. وبهذا يتجه أن يكون إضافة (مكر) إلى ضمير الكفار من إضافة المصدر إلى ما هو في قوة المفعول وهو المجرور بباء التعدية ، أي المكر بهم ممن زينوا لهم.
وقد تضمن هذا الاحتجاج أساليب وخصوصيات :
أحدها : توبيخهم على قياسهم أصنامهم على الله في إثبات الإلهية لها قياسا فاسدا لانتفاء الجهة الجامعة فكيف يسوي من هو قائم على كل نفس بمن ليسوا في شيء من ذلك.
ثانيها : تبهيلهم في جعلهم أسماء لا مسميات لها آلهة.
ثالثها : إبطال كون أصنامهم آلهة بأن الله لا يعلمها آلهة ، وهو كناية عن انتفاء إلهيتها.
رابعها : أن ادعاءهم آلهة مجرد كلام لا انطباق له مع الواقع ، وهو قوله : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ).
خامسها : أن ذلك تمويه باطل روجه فيهم دعاة الكفر ، وهو معنى تسميته مكرا في قوله : (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ).
سادسها : أنهم يصدون الناس عن سبيل الهدى.