وتسخير الشمس والقمر خلقهما بأحوال ناسبت انتفاع البشر بضيائهما ، وضبط أوقاتهم بسيرهما.
ومعنى (دائِبَيْنِ) دائبين على حالات لا تختلف إذ لو اختلفت لم يستطع البشر ضبطها فوقعوا في حيرة وشك.
والفلك : جمع لفظه كلفظ مفرده. وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) في سورة البقرة [١٦٤].
ومعنى (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أعطاكم بعضا من جميع مرغوباتكم الخارجة عن اكتسابكم بحيث شأنكم فيها أن تسألوا الله إياها ، وذلك مثل توالد الأنعام ، وإخراج الثمار والحب ، ودفع العوادي عن جميع ذلك : كدفع الأمراض عن الأنعام ، ودفع الجوائح عن الثمار والحب.
فجملة (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) تعميم بعد خصوص ، فهي بمنزلة التذييل لما قبلها لحكم يعلمها الله ولا يعلمونها (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [سورة الشورى : ٢٧] ، وأن الإنعام والامتنان يكون بمقدار البذل لا بمقدار الحرمان. وبهذا يتبين تفسير الآية.
وجملة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) تأكيد للتذييل وزيادة في التعميم ، تنبيها على أن ما آتاهم الله كثير منه معلوم وكثير منه لا يحيطون بعلمه أو لا يتذكرونه عند إرادة تعداد النعم.
فمعنى (إِنْ تَعُدُّوا) إن تحاولوا العد وتأخذوا فيه. وذلك مثل النعم المعتاد بها التي ينسى الناس أنها من النعم ، كنعمة التنفس ، ونعمة الحواس ، ونعمة هضم الطعام والشراب ، ونعمة الدورة الدموية ، ونعمة الصحة. وللفخر هنا تقرير نفيس فانظره.
والإحصاء : ضبط العدد ، وهو مشتق من الحصا اسما للعدد ، وهو منقول من الحصى ، وهو صغار الحجارة لأنهم كانوا يعدون الأعداد الكثيرة بالحصى تجنبا للغلط.
وجملة (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) تأكيد لمعنى الاستفهام الإنكاري المستعمل في تحقيق تبديل النعمة كفرا ، فلذلك فصلت عنها.
والمراد ب (الْإِنْسانَ) صنف منه ، وهو المتصف بمضمون الجملة المؤكدة وتأكيدها ،