والمعنى : فسر ما تدل عليه وأوّل إشاراتها ورموزها.
وكان تعبير الرؤيا مما يشتغلون به. وكان الكهنة منهم يعدونه من علومهم ولهم قواعد في حل رموز ما يراه النائم. وقد وجدت في آثار القبط أوراق من البردي فيها ضوابط وقواعد لتعبير الرّؤى ، فإن استفتاء صاحبي السجن يوسف ـ عليهالسلام ـ في رؤييهما ينبئ بأن ذلك شائع فيهم ، وسؤال الملك أهل ملأه تعبير رؤياه ينبئ عن احتواء ذلك الملأ على من يظنّ بهم علم تعبير الرؤيا ، ولا يخلو ملأ الملك من حضور كهان من شأنهم تعبير الرؤيا.
وفي التوراة «فأرسل ودعا جميع سحرة مصر وجميع حكمائها وقص عليهم حلمه فلم يكن من يعبره له» (١). وإنما كان مما يقصد فيه إلى الكهنة لأنه من المغيبات. وقد ورد في أخبار السيرة النبوية أن كسرى أرسل إلى سطيح الكاهن ليعبر له رؤيا أيام ولادة النبيصلىاللهعليهوسلم وهي معدودة من الإرهاصات النبوية. وحصل لكسرى فزع فأوفد إليه عبد المسيح.
فالتعريف في قوله (لِلرُّءْيا) تعريف العهد ، والمعهود الرؤيا التي كان يقصها عليهم على طريقة إعادة النكرة معرفة باللام أن تكون الثانية عين الأولى. والمعنى : إن كنتم تعبرون هذه الرؤيا.
والأضغاث : جمع ضغث ـ بكسر الضاد المعجمة ـ وهو : ما جمع في حزمة واحدة من أخلاط النبات وأعواد الشجر ، وإضافته إلى الأحلام على تقدير اللام ، أي أضغاث للأحلام.
والأحلام : جمع حلم ـ بضمتين ـ وهو ما يراه النائم في نومه. والتقدير : هذه الرؤيا أضغاث أحلام. شبهت تلك الرؤيا بالأضغاث في اختلاطها وعدم تميز ما تحتويه لمّا أشكل عليهم تأويلها.
والتعريف فيه أيضا تعريف العهد ، أي ما نحن بتأويل أحلامك هذه بعالمين. وجمعت (أَحْلامٍ) باعتبار تعدد الأشياء المرئية في ذلك الحلم ، فهي عدة رؤى.
والباء في (بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ) لتأكيد اتصال العامل بالمفعول ، وهي من قبيل باء الإلصاق مثل باء (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [سورة المائدة : ٦] ، لأنهم نفوا التمكن من تأويل
__________________
(١) الإصحاح الحادي والأربعون من سفر التكوين.