بمضمون الصّلة واشتهروا بها اشتهار لمز وتنقيص عند المؤمنين ، كقوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [سورة الفرقان : ٢١] ، وللإيماء إلى أن لهذه الصّلة ارتباطا باستمرارهم على العناد ، لأن انتفاء إيمانهم بالبعث والحساب قد جرّأهم على نبذ دعوة الإسلام ظهريا فلم يتوقعوا مؤاخذة على نبذها ، على تقدير أنها حقّ فينظروا في دلائل أحقّيتها مع أنهم يؤمنون بالله ولكنّهم لا يؤمنون بأنه أعدّ للناس يوم جزاء على أعمالهم.
ومعنى (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) جاحدة بما هو واقع. استعمل الإنكار في جحد الأمر الواقع لأنه ضدّ الإقرار. فحذف متعلق (مُنْكِرَةٌ) لدلالة المقام عليه ، أي منكرة للوحدانية.
وعبر بالجملة الاسمية (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) للدلالة على أن الإنكار ثابت لهم دائم لاستمرارهم على الإنكار بعد ما تبين من الأدلّة. وذلك يفيد أن الإنكار صار لهم سجيّة وتمكّن من نفوسهم لأنهم ضروا به من حيث إنهم لا يؤمنون بالآخرة فاعتادوا عدم التبصّر في العواقب.
وكذلك جملة (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) بنيت على الاسمية للدّلالة على تمكّن الاستكبار منهم. وقد خولف ذلك في آية سورة الفرقان [٢١] (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) لأن تلك الآية لم تتقدّمها دلائل على الوحدانية مثل الدلائل المذكورة في هذه الآية.
وجملة (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) معترضة بين الجملتين المتعاطفتين.
والجرم ـ بالتحريك ـ : أصله البدّ. وكثر في الاستعمال حتى صار بمعنى حقّا. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) في سورة هود [٢٢].
وقوله : (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) في موضع جرّ بحرف جرّ محذوف متعلق ب (جَرَمَ). وخبر (لا) النافية محذوف لظهوره ، إذ التقدير : لا جرم موجود. وحذف الخبر في مثله كثير. والتقدير : لا جرم في أن الله يعلم أو لا جرم من أنه يعلم ، أي لا بدّ من أنه يعلم ، أي لا بدّ من علمه ، أي لا شكّ في ذلك.
وجملة (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) خبر مستعمل كناية عن الوعيد بالمؤاخذة بما يخفون وما يظهرون من الإنكار والاستكبار وغيرهما بالمؤاخذة بما يخفون وما يظهرون من الإنكار والاستكبار وغيرهما مؤاخذة عقاب وانتقام ، فلذلك عقب بجملة (إِنَّهُ لا يُحِبُ