ذكره المبرّد أولى لأنها أساطير في الأكثر يعني بها القصص لا كل كتاب مسطور. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) في سورة الأنعام [٢٥].
واللّام في (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) تعليل لفعل (قالُوا) ، وهي غاية وليست بعلّة لأنّهم لما قالوا (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) لم يريدوا أن يكون قولهم سببا لأن يحملوا أوزار الّذين يضلّونهم ، فاللام مستعملة مجازا في العاقبة مثل (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [سورة القصص : ٨].
والتقدير : قالوا ذلك القول كحال من يغرى على ما يجر إليه زيادة الضرّ إذ حملوا بذلك أوزار الذين يضلونهم زيادة على أوزارهم.
والأوزار : حقيقتها الأثقال ، جمع وزر ـ بكسر الواو وسكون الزاي ـ وهو الثّقل. واستعمل في الجرم والذنب ، لأنّه يثقل فاعله عن الخلاص من الألم والعناء ، فأصل ذلك استعارة بتشبيه الجرم والذّنب بالوزر. وشاعت هذه الاستعارة ، قال تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) في سورة الأنعام [٣١]. كما يعبّر عن الذنوب بالأثقال ، قال تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [سورة العنكبوت : ١٣].
وحمل الأوزار تمثيل لحالة وقوعهم في تبعات جرائمهم بحالة حامل الثقل لا يستطيع تفصّيا منه ، فلما شبّه الإثم بالثقل فأطلق عليه الوزر شبه التّورط في تبعاته بحمل الثّقل على طريقة التخييلية ، وحصل من الاستعارتين المفرقتين استعارة تمثيلية للهيئة كلها. وهذا من أبدع التمثيل أن تكون الاستعارة التمثيلية صالحة للتفريق إلى عدّة تشابيه أو استعارات.
وإضافة الأوزار إلى ضمير «هم» لأنّهم مصدرها.
ووصفت الأوزار ب (كامِلَةً) تحقيقا لوفائها وشدّة ثقلها ليسري ذلك إلى شدّة ارتباكهم في تبعاتها إذ هو المقصود من إضافة الحمل إلى الأوزار.
و (مِنْ) في قوله تعالى : (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ) للسببية متعلقة بفعل محذوف دلّ عليه حرف العطف وحرف الجر بعده إذ لا بدّ لحرف الجر من متعلّق. وتقديره : ويحملوا. ومفعول الفعل محذوف دلّ عليه مفعول نظيره. والتّقدير : ويحملوا أوزارا ناشئة عن أوزار الّذين يضلونهم ، أي ناشئة لهم عن تسبّبهم في ضلال المضلّلين ـ بفتح اللّام ـ ،