ومساءلة العرب عن بعث النبي صلىاللهعليهوسلم كثيرة واقعة. وأصرحها ما رواه البخاري عن أبي ذرّ أنه قال : «كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكّة يزعم أنه نبيء ، فقلت لأخي أنيس : انطلق إلى هذا الرجل كلّمه وائتني بخبره ، فانطلق فلقيه ثم رجع ، فقلت : ما عندك؟ فقال : والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشرّ. فقلت : لم تشفني من الخير ، فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكّة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه ، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد ...» إلى آخر الحديث.
وسؤال السّائلين لطلب الخبر عن المنزل من الله يدلّ على أن سؤالهم سؤال مسترشد عن دعوى بلغتهم وشاع خبرها في بلاد العرب ، وأنهم سألوا عن حسن طويّة ، ويصوغون السؤال عن الخبر كما بلغتهم دعوته.
وأما الجواب فهو جواب بليغ تضمّن بيان نوع هذا الكلام ، وإبطال أن يكون منزلا من عند الله لأن أساطير الأولين معروفة والمنزّل من عند الله شأنه أن يكون غير معروف من قبل.
و (ما ذا) كلمة مركبة من (ما) الاستفهامية واسم الإشارة ، ويقع بعدها فعل هو صلة لموصول محذوف ناب عنه اسم الإشارة. والمعنى : ما هذا الذي أنزل.
و (ما) يستفهم بها عن بيان الجنس ونحوه. وموضعها أنها خبر مقدّم. وموضع اسم الإشارة الابتداء. والتقدير : هذا الذي أنزل ربكم ما هو. وقد تسامح النحويون فقالوا : إن (ذا) من قولهم (ما ذا) صارت اسم موصول. وتقدم عند قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) في سورة البقرة [٢١٥].
و (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) خبر مبتدأ محذوف دلّ عليه ما في السؤال. والتقدير : هو أساطير الأوّلين ، أي المسئول عنه أساطير الأوّلين.
ويعلم من ذلك أنه ليس منزّلا من ربهم لأن أساطير الأوّلين لا تكون منزّلة من الله كما قلناه آنفا. ولذلك لم يقع (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) منصوبا لأنه لو نصب لاقتضى التقدير : أنزل أساطير الأولين ، وهو كلام متناقض. لأن أساطير الأولين السابقة لا تكون الذي أنزل الله الآن.
والأساطير : جمع أسطار الذي هو جمع سطر. فأساطير جمع الجمع. وقال المبرّد : جمع أسطورة ـ بضم الهمزة ـ كأرجوحة. وهي مؤنثة باعتبار أنها قصة مكتوبة. وهذا الذي