الآجال ، ففي مدد تلك الآجال تبقى أقوام كثيرة تعمر بهم الأرض ، فذلك سبب بقاء أمم كثيرة من المشركين ومن حولهم.
واقتضى قوله تعالى : (مِنْ دَابَّةٍ) إهلاك دوابّ الناس معهم لو شاء الله ذلك ، لأن استئصال أمّة يشتمل على استئصال دوابّها ، لأنّ الدوابّ خلقت لنفع الناس فلا بدع أن يستأصلها الله إذا استأصل ذويها.
والاقتصار على ذكر دابّة في هذه الآية إيجاز ، لأنه إذا كان ظلم الناس مفضيا إلى استئصال الدوابّ كان العلم بأنه مفض إلى استئصال الظالمين حاصلا بدلالة الاقتضاء.
وهذا في عذاب الاستئصال ، وأما ما يصيب الناس من المصائب والفتن الوارد فيه قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [سورة الأنفال : ٢٥] فذلك منوط بأسباب عادية ، فاستثناء الصالحين يقتضي تعطيل دواليب كثيرة من دواليب النظام الفطري العام ، وذلك لا يريد الله تعطيله لما يستتبع تعطيله من تعطيل مصالح عظيمة والله أعلم بذلك.
فقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم يبعثون على نيّاتهم» ، أي يكون للمحسن الذي أصابه العذاب تبعا جزاء على ما أصابه من مصيبة غيره. وإنما الذي لا ينال البريء هو العقاب الأخروي الذي جعله الله جزاء على التكليف ، وهو معنى قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الأنعام : ١٦٤].
وفي هذه الآية إشارة إلى أن الدوابّ التي على الأرض مخلوقة لأجل انتفاع الإنسان ، فلذلك لم يكن استعمال الإنسان إيّاها فيما تصلح له ظلما لها ، ولا قتلها لأكلها ظلما لها.
والمؤاخذة : الأخذ المقصود منه الجزاء ، فهو أخذ شديد ، ولذلك صيغت له صيغة المفاعلة الدالة على الكثرة ، فدلّ على أن المؤاخذة المنتفية ب (لَوْ) هي الأخذ العاجل المناسب للمجازاة ، لأن شأن الجزاء في العرف أن لا يتأخر عن وقت حصول الذنب.
ولهذا جاء الاستدراك بقوله تعالى : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى). فموقع الاستدراك هنا أنه تعقيب لقوله تعالى : (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ).
والأجل : المدّة المعيّنة لفعل ما. والمسمّى : المعيّن ، لأن التسمية تعيين الشيء