واضحا.
وجيء بالمسند فعليا لإفادة تخصيص المسند إليه بالمسند الفعلي في الإثبات ، نحو : أنا سعيت في حاجتك. وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً). فهذه عبرة وهي أيضا منّة ، لأن الخلق وهو الإيجاد نعمة لشرف الوجود والإنسانية ، وفي التوفّي أيضا نعم على المتوفّى لأن به تندفع آلام الهرم ، ونعم على نوعه إذ به ينتظم حال أفراد النوع الباقين بعد ذهاب من قبلهم ، هذا كلّه بحسب الغالب فردا ونوعا ، والله يخصّ بنعمته وبمقدارها من يشاء.
ولما قوبل «ثم توفّاكم» بقوله تعالى : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) علم أن المعنى ثم يتوفّاكم في إبان الوفاة ، وهو السنّ المعتادة الغالبة لأن الوصول إلى أرذل العمر نادر.
والأرذل : تفضيل في الرذالة ، وهي الرداءة في صفات الاستياء.
و (الْعُمُرِ) : مدة البقاء في الحياة ، لأنه مشتقّ من العمر ، وهو شغل المكان ، أي عمر الأرض ، قال تعالى : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها) [سورة الروم : ٩]. فإضافة (أَرْذَلِ) إلى (الْعُمُرِ) التي هي من إضافة الصّفة إلى الموصوف على طريقة المجاز العقلي ، لأن الموصوف بالأرذل حقيقة هو حال الإنسان في عمره لا نفس العمر. فأرذل العمر هو حال هرم البدن وضعف العقل ، وهو حال في مدة العمر. وأما نفس مدّة العمر فهي هي لا توصف برذالة ولا شرف.
والهرم لا ينضبط حصوله بعدد من السنين ، لأنه يختلف باختلاف الأبدان والبلدان والصحة والاعتدال على تفاوت الأمزجة المعتدلة ، وهذه الرذالة رذالة في الصحّة لا تعلّق لها بحالة النفس ، فهي مما يعرض للمسلم والكافر فتسمّى أرذل العمر فيهما ، وقد استعاذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أن يردّ إلى أرذل العمر.
ولام التعليل الداخلة على (كي) المصدرية مستعملة في معنى الصيرورة والعاقبة تشبيها للصيرورة بالعلّة استعارة تشير إلى أنه لا غاية للمرء في ذلك التعمير تعريضا بالناس ، إذ يرغبون في طول الحياة ؛ وتنبيها على وجوب الإقصار من تلك الرغبة ، كأنه قيل : منكم من يردّ إلى أرذل العمر ليصير غير قابل لعلم ما لم يعلمه لأنه يبطئ قبوله للعلم. وربّما لم يتصوّر ما يتلقاه ثم يسرع إليه النسيان. والإنسان يكره حالة انحطاط علمه