ومن الدّليل على القضاء وكونه |
|
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق |
ولذلك أسند التفضيل في الرزق إلى الله تعالى لأن أسبابه خارجة عن إحاطة عقول البشر ، والحكيم لا يستفزّه ذلك بعكس قول ابن الراوندي :
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه |
|
وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا |
هذا الذي ترك الأوهام حائرة |
|
وصيّر العالم النّحرير زنديقا |
وهذا الحكم دلّ على ضعف قائله في حقيقة العلم فكيف بالنّحريرية.
وتفيد وراء الاستدلال معنى الامتنان لاقتضائها حصول الرزق للجميع.
فجملة (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) مقدمة للدّليل ومنّة من المنن لأن التفضيل في الرزق يقتضي الإنعام بأصل الرزق.
وليست الجملة مناط الاستدلال ، إنما الاستدلال في التمثيل من قوله تعالى : (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ) الآية.
والقول في جعل المسند إليه اسم الجلالة وبناء المسند الفعلي عليه كالقول في قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) [سورة النحل : ٧٠]. والمعنى : الله لا غيره رزقكم جميعا وفضّل بعضكم على بعض في الرزق ولا يسعكم إلا الإقرار بذلك له.
وقد تمّ الاستدلال عند قوله تعالى : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) بطريقة الإيجاز ، كما قيل : لمحة دالة.
وفرع على هذه الجملة تفريع بالفاء على وجه الإدماج قوله تعالى : (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ). وهو إدماج جاء على وجه التمثيل لتبيان ضلال أهل الشرك حين سوّوا بعض المخلوقات بالخالق فأشركوها في الإلهية فسادا في تفكيرهم. وذلك مثل ما كانوا يقولون في تلبية الحجّ (لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك). فمثل بطلان عقيدة الإشراك بالله بعض مخلوقاته بحالة أهل النّعمة المرزوقين ، لأنهم لا يرضون أن يشركوا عبيدهم معهم في فضل رزقهم فكيف يسوّون بالله عبيده في صفته العظمى وهي الإلهيّة.
ورشاقة هذا الاستدلال أن الحالتين المشبّهتين والمشبّه بهما حالتا مولى وعبد ، كما قال تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما