الإنسان بحفظ سلسلة نسبه بسبب ضبط الحلقة الأولى منها ، وهي كون أبنائه من زوجه ثم كون أبناء أبنائه من أزواجهم ، فانضبطت سلسلة الأنساب بهذا النظام المحكم البديع. وغير الإنسان من الحيوان لا يشعر بحفدته أصلا ـ لا يشعر بالبنوّة إلا أنثى الحيوان مدة قليلة قريبة من الإرضاع. والحفدة للإنسان زيادة في مسرّة العائلة ، قال تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) [سورة هود : ٧١]. وقد عملت (مِنْ) الابتدائية في (حَفَدَةً) بواسطة حرف العطف لأن الابتداء يكون مباشرة وبواسطة.
وجملة (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) معطوفة على جملة (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) وما بعدها ، لمناسبة ما في الجمل المعطوف عليها من تضمّن المنّة بنعمة أفراد العائلة ، فإن من مكمّلاتها سعة الرزق ، كما قال تعالى في آل عمران (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) [سورة النحل : ١٤] الآية. وقال طرفة :
فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي |
|
بنون كرام سادة لمسود |
فالمال والعائلة لا يروق أحدها بدون الآخر.
ثم الرزق يجوز أن يكون مرادا منه المال كما في قوله تعالى في قصة قارون : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) [سورة القصص: ٨٢]. وهذا هو الظاهر وهو الموافق لما في الآية المذكورة آنفا. ويجوز أن يكون المراد منه إعطاء المأكولات الطيّبة ، كما في قوله تعالى : (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [سورة آل عمران : ٣٧].
و (مِنْ) تبعيضية.
و (الطَّيِّباتِ) : صفة لموصوف محذوف دلّ عليه فعل رزقكم ، أي الأرزاق الطّيبات. والتأنيث لأجل الجمع. والطيّب : فيعل صفة مبالغة في الوصف بالطّيب. والطيّب : أصله النزاهة وحسن الرائحة ، ثم استعمل في الملائم الخالص من النّكد ، قال تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [سورة النحل : ٩٧]. واستعمل في الصالح من نوعه كقوله تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) ، في سورة الأعراف [٥٨]. ومنه قوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) [سورة النحل : ٣٢] وقد تقدم آنفا.
فالطيّبات هنا الأرزاق الواسعة المحبوبة للناس كما ذكر في الآية في سورة