مساغا للطعن.
ولم تخل أيضا بعد التعريض بالتحذير من صدّ الكافرين عن سبيل الله من حسن موقع تذكير المسلمين بنعمة الله عليهم إذ بعث فيهم شهيدا يشهد لهم بما ينفعهم وبما يضرّ أعداءهم.
والقول في بقيّة هذه الجملة مثل ما سبق في نظيرتها.
ولما كان بعث الشهداء للأمم الماضية مرادا به بعثهم يوم القيامة عبّر عنه بالمضارع.
وجملة (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً) يجوز أن تكون معطوفة على جملة (وَيَوْمَ نَبْعَثُ) كلّها. فالمعنى : وجئنا بك لما أرسلناك إلى أمّتك شهيدا عليهم ، أي مقدّرا أن تكون شهيدا عليهم يوم القيامة ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لما كان حيّا في آن نزول هذه الآية كان شهيدا في الحال والاستقبال ، فاختير لفظ الماضي في (جِئْنا) للإشارة إلى أنه مجيء حصل من يوم بعثته.
ويعلم من ذلك أنه يحصل يوم القيامة بطريق المساواة لبقيّة إخوانه الشهداء على الأمم ، إذ المقصود من ذلك كلّه تهديد قومه وتحذيرهم. وهذا الوجه شديد المناسبة بأن يعطف عليه قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) [سورة النحل : ٨٩] الآية.
وقد علمت من هذا أن جملة (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً) ليست معطوفة على (نَبْعَثُ) بحيث تدخل في حيّز الظرف وهو (يَوْمَ) ، بل معطوفة على مجموع جملة (يَوْمَ نَبْعَثُ) ، لأن المقصود وجئنا بك شهيدا من وقت إرسالك. وعلى هذا يكون الكلام تمّ عند قوله: (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، فيحسن الوقف عليه لذلك.
ويجوز أن تعطف على جملة (نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) فتدخل في حيّز الظرف ويكون الماضي مستعملا في معنى الاستقبال مجازا لتحقّق وقوعه ، فشابه به ما حصل ومضى ، فيكون الوقف على قوله : (شَهِيداً). ويتحصّل من تغيير صيغة الفعل عن المضارع إلى الماضي تهيئة عطف (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ).
ولم يوصف الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأنه من أنفسهم لأنه مبعوث إلى جميع الأمم ، وشهيد عليهم جميعا ، وأما وصفه بذلك في قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) في سورة التوبة [١٢٨] فذلك وصف كاشف اقتضاه مقام التّذكير للمخاطبين من المنافقين الذين ضمّوا إلى الكفر بالله كفران نعمة بعث رسول إليهم من قومهم.