المسند وهي جملة (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ).
وافتتحت باسم الإشارة ، بعد إجراء وصف انتفاء الإيمان بآيات الله عنهم ، لينبه على أن المشار إليهم جديرون بما يرد من الخبر بعد اسم الإشارة ، وهو قصرهم على الكذب ، لأن من لا يؤمن بآيات الله يتّخذ الكذب ديدنا له متجدّدا.
وجعل المسند في هذه الجملة معرّفا باللام ليفيد أن جنس الكاذبين اتّحد بهم وصار منحصرا فيهم ، أي الذين تعرف أنهم طائفة الكاذبين هم هؤلاء. وهذا يؤول إلى معنى قصر جنس المسند على المسند إليه ، فيحصل قصران في هذه الجملة : قصر موصوف على صفة ، وقصر تلك الصفة على ذلك الموصوف. والقصران الأوّلان الحاصلان من قوله : (إِنَّما يَفْتَرِي) وقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ) إضافيان ، أي لا غيرهم الذي رموه بالافتراء وهو محاشى منه ، والثالث (أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) قصر حقيقي ادّعائي للمبالغة ، إذ نزل بلوغ الجنس فيهم مبلغا قويا منزلة انحصاره فيهم.
واختير في الصّلة صيغة (لا يُؤْمِنُونَ) دون : لم يؤمنوا ، لتكون على وزان ما عرفوا به سابقا في قوله : (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) ، ولما في المضارع من الدلالة على أنهم مستمرّون على انتفاء الإيمان لا يثبت لهم ضدّ ذلك.
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦))
لما سبق التّحذير من نقض عهد الله الذي عاهدوه ، وأن لا يغرّهم ما لأمّة المشركين من السّعة والربو ، والتحذير من زلل القدم بعد ثبوتها ، وبشروا بالوعد بحياة طيبة ، وجزاء أعمالهم الصالحة من الإشارة إلى التّمسك بالقرآن والاهتداء به ، وأن لا تغرّهم شبه المشركين وفتونهم في تكذيب القرآن ، عقب ذلك بالوعيد على الكفر بعد الإيمان ، فالكلام استئناف ابتدائي.
ومناسبة الانتقال أن المشركين كانوا يحاولون فتنة الراغبين في الإسلام والذين أسلموا ، فلذلك ردّ عليهم بقوله : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) إلى قوله : (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) [سورة النحل : ١٠٢] ، وكانوا يقولون : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [سورة النحل : ١٠٣] فردّ عليهم بقوله : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ) [سورة النحل : ١٠٣]. وكان الغلام الذي عنوه بقولهم (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) قد أسلم ثم فتنه المشركون فكفر ، وهو جبر مولى