من الاعتذار لوفود العرب في موسم الحجّ إذا سألوهم عن هذا الرجل الذي ادّعى النبوءة. وقد عرضوا عليه أن يقولوا هو كاهن ، فكان من كلام الوليد أن قال «.. ولا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه» ، قال تعالى : (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [سورة الحاقة : ٤٢]. وكان الكهان يزعمون أن لهم شياطين تأتيهم بخبر السماء ، وهم كاذبون ويتفاوتون في الكذب.
والمراد بالحفظ من الشياطين الحفظ من استقرارها وتمكنها من السماوات. والشيطان تقدم في سورة البقرة.
والرجيم : المحقر ؛ لأن العرب كانوا إذا احتقروا أحدا حصبوه بالحصباء ، كقوله تعالى: (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) [سورة الحجر : ٣٤] ، أي ذميم محقر.
والرّجام ـ بضم الراء ـ الحجارة. قيل وهي أصل الاشتقاق. ويحتمل العكس. وقد كان العرب يرجمون قبر أبي رغال الثقفي الذي كان دليل جيش الحبشة إلى مكة. قال جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه |
|
كما ترمون قبر أبي رغال |
والرجم عادة قديمة حكاها القرآن عن قوم نوح (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [سورة الشعراء : ١١٦]. وعن أبي إبراهيم (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) [سورة مريم : ٤٦]. وقال قوم شعيب : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) [سورة هود : ٩١].
وليس المراد به الرجم المذكور عقبه في قوله : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) لأن الاستثناء يمنع من ذلك في قوله : (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ).
واستراق السمع : سرقته. صيغ وزن الافتعال للتكلف. ومعنى استراقه الاستماع بخفية من المتحدث كأن المستمع يسرق من المتكلم كلامه الذي يخفيه عنه.
و «أتبعه» بمعنى تبعه. والهمزة زائدة مثل همزة أبان بمعنى بان. وتقدم في قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) في سورة الأعراف [١٧٥].
والمبين : الظاهر البين.
وفيه تعليم لهم بأن الشهب التي يشاهدونها متساقطة في السماء هي رجوم للشياطين المسترقة طردا لها عن استراق السمع كاملا ، فقد عرفوا ذلك من عهد الجاهلية ولم يعرفوا سببه.