والمقصود من منع الشياطين من ذلك منعهم الاطلاع على ما أراد الله عدم اطلاعهم عليه من أمر التكوين ونحوه ؛ مما لو ألقته الشياطين في علم أوليائهم لكان ذلك فسادا في الأرض. وربما استدرج الله الشياطين وأولياءهم فلم يمنع الشياطين من استراق شيء قليل يلقونه إلى الكهان ، فلما أراد الله عصمة الوحي منعهم من ذلك بتاتا فجعل للشهب قوة خرق التموجات التي تتلقى منها الشياطين المسترقون السمع وتمزيق تلك التدرجات الموصوفة في الحديث الصحيح.
ثم إن ظاهر الآية لا يقتضي أكثر من تحكك مسترق السمع على السماوات لتحصيل انكشافات جبل المسترق على الحرص على تحصيلها. وفي آية الشعراء ما يقتضي أن هذا المسترق يلقي ما تلقاه من الانكشافات إلى غيره لقوله : (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) [سورة الشعراء : ٢٢٣].
ومقتضى تكوين الشهب للرجم أن هذا الاستراق قد منع عن الشياطين.
وفي سورة الجن دلالة على أنه منع بعد البعثة ونزول القرآن إحكاما لحفظ الوحي من أن يلتبس على الناس بالكهانة ، فيكون ما اقتضاه حديث عائشة وأبي هريرة ـ رضياللهعنهم ـ من استراق الجن السمع وصفا للكهانة السابقة. ويكون قوله : «ليسوا بشيء» وصفا لآخر أمرهم.
وقد ثبت بالكتاب والسنّة وجود مخلوقات تسمى بالجن وبالشياطين مع قوله : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) [سورة ص : ٣٧] الآية. والأكثر أن يخص باسم الجن نوع لا يخالط خواطر البشر ، ويخص باسم الشياطين نوع دأبه الوسوسة في عقول البشر بإلقاء الخواطر الفاسدة.
وظواهر الأخبار الصحيحة من الكتاب والسنة تدل على أن هذه المخلوقات أصناف ، وأنها سابحة في الأجواء وفي طبقات مما وراء الهواء وتتصل بالأرض ، وأن منها أصنافا لها اتصال بالنفوس البشرية دون الأجسام وهو الوسواس ولا يخلو منه البشر.
وبعض ظواهر الأخبار من السنة تقتضي أن صنفا له اتصال بنفوس ذات استعداد خاص لاستفادة معرفة الواقعات قبل وقوعها أو الواقعات التي يبعد في مجاري العادات بلوغ وقوعها ، فتسبق بعض النفوس بمعرفتها قبل بلوغها المعتاد. وهذه النفوس هي نفوس الكهان وأهل الشعوذة ، وهذا الصنف من المخلوقات من الجن أو الشياطين هو المسمى