عليهم ابتداء ولم يكن محرّما من شريعة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ التي كان عليها سلفهم ، كما قال تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) [سورة آل عمران : ٩٣] ، أي عليهم دون غيرهم فلا تحسبوا أن ذلك من الحنيفية.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩))
موقع هذه الآية من اللواتي قبلها كموقع قوله السابق (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) [سورة النحل : ١١٠]. فلما ذكرت أحوال أهل الشرك وكان منها ما حرّموه على أنفسهم ، وكان المسلمون قد شاركوهم أيام الجاهلية في ذلك ، ووردت قوارع الذمّ لما صنعوا ، كان مما يتوهم علوقه بأذهان المسلمين أن يحسبوا أنهم سينالهم شيء من غمص لما اقترفوه في الجاهلية ، فطمأن الله نفوسهم بأنهم لما تابوا بالإقلاع عن ذلك بالإسلام وأصلحوا عملهم بعد أن أفسدوا فإن الله قد غفر لهم مغفرة عظيمة ورحمهم رحمة واسعة.
ووقع الإقبال بالخطاب على النبي صلىاللهعليهوسلم إيماء إلى أن تلك المغفرة من بركات الدين الذي أرسل به.
وذكر اسم الرب مضافا إلى ضمير النبي للنكتة المتقدمة آنفا في قوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا).
والجهالة : انتفاء العلم بما يجب. والمراد : جهالتهم بأدلّة الإسلام.
و (ثُمَ) للترتيب الرتبي ، لأن الجملة المعطوفة ب (ثُمَ) تضمّنت حكم التوبة وأن المغفرة والرحمة من آثارها ، وذلك أهم عند المخاطبين مما سبق من وعيد ، أي الذين عملوا السوء جاهلين بما يدلّ على فساد ما علموه. وذلك قبل أن يستجيبوا لدعوة الرسول فإنهم في مدّة تأخّرهم عن الدخول في الإسلام موصوفون بأنهم أهل جهالة وجاهلية ، أو جاهلين بالعقاب المنتظر على معصية الرسول وعنادهم إياه.
ويدخل في هذا الحكم من عمل حراما من المسلمين جاهلا بأنه حرام وكان غير مقصّر في جهله. وقد تقدم عند قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ