جاء به الإسلام من إباحة ما في الأرض جميعا من الطيّبات ، إلا ما بيّن الله تحريمه في آية (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) [سورة الأنعام : ١٤٥] الآية.
وقد وصف إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بأنه كان أمّة. والأمّة : الطائفة العظيمة من الناس التي تجمعها جهة جامعة. وتقدم في قوله تعالى (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) في سورة البقرة [٢١٣]. ووصف إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بذلك وصف بديع جامع لمعنيين :
أحدهما : أنه كان في الفضل والفتوة والكمال بمنزلة أمّة كاملة. وهذا كقولهم : أنت الرجل كل الرجل ، وقول البحتري :
ولم أر أمثال الرجال تفاوتا |
|
لدى الفضل حتى عدّ ألف بواحد |
وعن عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «معاذ أمّة قانت لله».
والثاني : أنه كان أمّة وحده في الدين لأنه لم يكن في وقت بعثته ، موحّد لله غيره. فهو الذي أحيا الله به التوحيد ، وبثّه في الأمم والأقطار ، وبنى له معلما عظيما ، وهو الكعبة ، ودعا الناس إلى حجّه لإشاعة ذكره بين الأمم ، ولم يزل باقيا على العصور. وهذا كقول النبي صلىاللهعليهوسلم في خطر بن مالك الكاهن : «وأنه يبعث يوم القيامة أمّة وحده» ، رواه السهيلي في «الروض الأنف». ورأيت رواية أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال هذه المقالة في زيد بن عمرو بن نفيل.
والقانت : المطيع. وقد تقدم في قوله تعالى (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) في سورة البقرة [٢٣٨].
واللام لام التقوية لأن العامل فرع في العمل.
والحنيف : المجانب للباطل. وقد تقدم عند قوله : (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) في سورة البقرة [١٣٥] ، والأسماء الثلاثة أخبار (كانَ) وهي فضائل.
(وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) اعتراض لإبطال مزاعم المشركين أن ما هم عليه هو دين إبراهيم ـ عليهالسلام ـ. وقد صوّروا إبراهيم وإسماعيل ـ عليهماالسلام ـ يستقسمان بالأزلام ووضعوا الصورة في جوف الكعبة ، كما جاء في حديث غزوة الفتح ، فليس قوله : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) مسوقا مساق الثناء على إبراهيم ولكنه تنزيه له عمّا اختلقه عليه المبطلون. فوزانه وزان قوله : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [سورة التكوير : ٢٢]. وهو